فصاحت ميمى: «الأصدقاء.. أى أصدقاء»؟
فقالت الجارة: «بالطبع يا طفلتى العزيزة.. وأى بأس فى ذلك»؟
فقالت ميمى: «ولكن زوجك؟ ألا يسوءه هذا؟ ألا يغضبه أن تخرجى مع رجال»؟
قالت الجارة: «يغضبه؟ وماذا تظنيه يصنع وهو مسافر؟ يقضى الوقت فى المسجد؟ كلا إنى أعرف ما يصنع».
وصارت هذه الجارة معلمة لميمى. وكرت الأيام فأصبحت لا تبالى تقصير سليم معها، ولا تحفل ما تراه من فتوره حين يعود إلى البيت متعبا. وتكررت زيارات الأتراب لها فجأة بفضل الجارة الحاذقة التى أدركت أن ميمى غريرة لا عهد لها بهذا الضرب من حياة المرح، وما لنا لا نقول حياة الاستخفاف.. فبدأت معها بتبادل الزيارة ثم صارت تزورها ومعها أتراب لها، فتحتاج أن ترد الزيارات وتخرج إليهن، وارتقت من ذلك إلى دعوتها إلى التنزه والخلوات، ولم تكن الجارة تعدم سيارة تستعيرها بسائقها من بعض من تعرف من الرجال، وكانت تحرص فى هذه الرحلات الأولى على أن تكون قاصرة عليهن، ثم صار يتفق أن يلتقين فى هذه الرحلات إلى الأهرام أو الماظة أو غيرهما ببعض «أقارب» الجارة، فيحصل التعريف الذى تقضى به الآداب، وهكذا إلى أن ألفت ميمى أن تكون مع الرجال كما ألفت أن تخرج مع النساء. وكان الزوج غافلا عن ذلك فى أول الامر. وكانت ميمى إذا آن أن يناما تدنو منه وتلصق به فيتثاءب ويعرض عنها. وكان ربما زجرها عن ذلك وقال لها بعنف إنه محتاج إلى النوم، وكانت هى فى أول الأمر يشق عليها إعراضه وتحس بحزة فى نفسها فتبكى، فلما توثقت الصلات بينها وبين الجارة لم تعد تبالى هذا الفتور. وظن سليم فى بادئ الأمر أن زوجته «هداها الله» حتى كانت ليلة فأقبل عليها يريد أن يقبلها وفتح لها ذراعيه ليضمها، فلم تحرك ساكنا ولم يبد عليها أنها راغبة فى ذلك فعجب وسألها: «مالك»؟ قالت: «لا شىء.. ما لك أنت»؟ قال: «ألا تقبليننى»؟
فمطت شفتيها وهزت كتفيها وقالت: «إنك تحتاج إلى النوم وأنا لا أريد أن أقبل أحدا».
فلم يفهم وألح عليها بالكلام، فبدرت منها كلمة فهم منها أنها لا تباليه، فنظر إليها محدقا فى وجهها وقال: «مع من تخرجين؟ من هؤلاء الأصدقاء أو الصديقات اللواتى ظهرن فجأة»؟
فقالت: «لم تعد الحقيقة.. أصدقاء وصديقات.. ومن الجنسين.. ولكنك تكون نذلا إذا أسأت الظن.. ولا أكون أنا بنت أبى وأمى إذا احتملت منك ذلك».
فذهل - وإن كان عنفها قد طمأنه - وقال: «ولكن.. ماذا جرى لك»؟
قالت: «لم يجر لى شىء.. إلى الآن.. لا أزال ميمى التى تعرفها وإن كنت قد تعلمت أشياء كثيرة، ولكنه سيجرى لى على التحقيق أشياء كثيرة إذا بقيت تهملنى.. ثق أنى تعلمت ولكنى لم أعمل بما تعلمت إلى الآن.. سأعمل حتما.. فهل ترضيك هذه الصراحة»؟
Неизвестная страница