В свободное время: коллекция литературных, исторических, этических, философских писем
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
Жанры
وفي هذه الأيام غضب الضابط هنري رفيق مدام رشمور منها فسرق خطابا كانت موجهة إياه لأحد الأشراف المهاجرين، وقد ذكرت فيه ما قاله برتو عن المحكمة الثورية وعن الجيوش المحاربة. ولما سرقه وعرضه على رجال الإدارة كانت النتيجة أن قبض على رشمور وبرتو وحليف لبرتو من القسس يدعى لنجمار، وفتاة احتمت عند برتو ولنجمار من أبحاث السلطة وتفتيش رجال الثورة، وأودعوا جميعا في السجن.
ولما كانت المحكمة الثورية قد ضاقت ذرعا بالتحقيقات العادية، وبالمتهمين يقدمون إليها واحدا بعد الآخر، فقد صدر قانون يبيح محاكمة من يشتم من أعمالهم أنهم يتآمرون بمجرد جمع الأدلة، ثم يحصل البحث في المحكمة. فلما قدم برتو وصحبه وتلا المدعي العمومي ورقة الاتهام التي جاء فيها من تهم برتو أنه قال: «إن المحكمة الثورية تشبه روايات شكسبير التي تخلط بين أفظع المناظر الدموية وأسخف التفاهات، وإنه ينتظر من وراء انتصارات الجمهورية أن يجيء أحد هؤلاء الذين يحملون السيف فيبتلع الجميع كما ابتلع الطائر الضفادع في الخرافة.» ومن تهم رشمور أنها متصلة بالخارج ومختلطة بالمرتشين. لما تلا المدعي العمومي ورقة الاتهام وسئل برتو: هل تآمرت؟ أجاب: أنا لم أتآمر، وكل ما جاء في ورقة الاتهام التي سمعت الآن باطل. فكان الرد عليه: ألا ترى أنك تتآمر الآن من جديد ضد المحكمة؟!!»
وبعد ذلك، وبعد أن سئم الناس القتل والدماء، رأت الجمعية الوطنية أن روبسبيير قد بلغ حدا أصبح لا يطاق معه، فاعتبرت أعضاء الأقسام المنضمة إليه وأعضاء المحكمة الثورية ومحلفيها كلهم خوارج على القانون ويجب إعدامهم، وأعدموا وأعدم جاملن. •••
هذه الصورة التي أبدعها أناتول فرانس، والتي نقلنا هنا ظلا منها قد لا يوازي ما ينقله الكارت بوستال عن أبدع صور اللوفر، لا يمكن أن يتذوقها إلا من يقرؤها ويعيدها ثم يعيدها غير مرة، وحينئذ تتبدى له الثورة الفرنساوية كلها وكيف كانت، وتنقشع من أمامه الغيوم التي يجدها في كتب التاريخ الجامدة، والتي تنقل حكاية الحوادث كما تنقل الأجواء صدى الصوت البعيد.
وإني لفي غنى عن أن أذكر شيئا عن أسلوب أناتول فرانس، وألوان ذلك الأسلوب الدقيق الهادئ الرزين لا تشعر معه بالتكلف، بل تسيغه سهلا عذبا ينساب إلى نفسك فلا يهزها هزات عنيفة كأسلوب الشعريين، ولا يستوقفها بيبوسته التحليلية. ومع ذلك فلن تجد تحليلا ولا شعرا أبدع مما عند أناتول فرانس. وإن وصف أشخاص رواية الآلهة لأكثر ما تكون الصورة دقة في التحليل. وبحسب أسلوب فرانس مقدرة على اشتمال فضائل كل الأساليب أنه سهل ممتنع لا تستعصي عليه صورة، ولا يتعقد معه رأي. وبحسب رواية الآلهة أنها كتبت بهذا الأسلوب، وأنها رواية الثورة الفرنساوية، أكبر ثورة عرفها التاريخ وأبعدها في حياة الأمم أثرا.
أناتول فرانس (5)
ماري باشكير ستف (لأناتول فرانس كتاب يقع في أربعة أجزاء عنوانه (الحياة الأدبية)
La Vie Litteraire
جمع ما كتبه في النقد والتعليق على الكتب وما وضعه من خلاصة تاريخ بعض الأشخاص في أخص ما تتميز به حياتهم. وكتابة أناتول فرانس في النقد لا تعتبر حجة؛ لأنه يأخذ فيها بالمذهب الذاتي أكثر مما يأخذ بالمذهب الموضوعي، لكن ذاتية أناتول فرانس وما برزت به على كل ذاتية سواها من صفات خاصة مر بالقارئ شيء منها فيما قرأه تجعل كتابته في النقد شائعة محبوبة لذاتها، أما ما وضعه من خلاصة تاريخ الأشخاص، فله طابع خاص يسمو به على آرائه في النقد؛ فأنت تراه ينظر من جوانب حياة الشخص إلى الجانب الذي كان له في حياته أكبر الأثر. ولعل من القراء من اطلع على ما كتبه في الحياة الأدبية عن بسمارك، وفي «الزنبقة الحمراء» عن نابليون، فرأى كيف أظهر فرانس ما في هذه النفوس من ضعف كان سبب قوتهم، ومن هوس سما بهم إلى العظمة. وها نحن أولاء نترجم رسالة من رسائله في «الحياة الأدبية» عن ماري باشكير ستف ليرى من لم يطلع على موجز تواريخ الأشخاص بالنحو الذي يكتبها به فرانس مثلا قد يتبين منه ما لم نستطع نحن بيانه من صورة نفس الكاتب العظيم.) •••
ماتت ماري باشكير ستف، التي نشرت يومياتها أخيرا، منذ أربع وعشرين سنة، وكانت وفاتها في 31 أكتوبر سنة 1884، وقد خلفت عدة نقوش وبعض صور تنبئ عن حب خالص للطبيعة وعن هيام وولع بالفن، وكانت حفيدة الجنرال جريجوريفتش باشكير ستف أحد من تولوا الدفاع عن سباستوبول، كما كانت تزهى بأن في عروقها دما تتريا عريقا ورثته عن أمها. وكانت بيضاء اللون بديعته، حمراء الشعر، ناهدة الخدين، قصيرة الأنف، عميقة النظرة، ذات شفاه كأنها شفاه الطفل. وكانت صغيرة الجسم جميلة التكوين، وكان هذا من غير شك سبب ولعها بالنظر إلى التماثيل، حتى لكانت وهي في الثالثة عشرة من عمرها تمضي الساعات أمام تماثيل الرخام في متحف الكابتول بروما. ولم تكن يداها الرقيقتان البيضاوان على أحسن صورة، لكن مصورا ذكر أن الطريقة التي كانت توضع بها هاتان اليدان على الأشياء كانت غاية في الجمال، لكنها مع ذلك قلما كانت تصف نفسها في يومياتها، وإنما ألاحظ صورة كتبتها في 17 يولية سنة 1874 بالغة في جمال التنسيق، قالت: «شعري أشد ما يكون حمرة، وعلي فستان من الصوف الأبيض رشيق حسن الهندام، وطرحة من الدنتلا حول العنق، وكأني بذلك إحدى صور الإمبراطورية الأولى، وإنما أحتاج لكمال تلك الصورة إلى أن أقف تحت شجرة، وأن أمسك بيدي كتابا.» ثم أضافت إلى ذلك أنها تحب الوحدة أمام المرآة.
Неизвестная страница