Фата́ва хадисийя
الفتاوى الحديثية
Издатель
دار الفكر
عَمَّا أُشير إِلَيْهِ بإنشاد: وَعين الرِّضَا إِلَخ مِمَّا كَانَ الأولى حمل الْأَمر فِيهِ على السَدَّاد، وَذَلِكَ الْحق هُوَ أَن الْوَاقِع دعوتان متعارضتان، دَعْوَى الْبطلَان وَهِي السَّابِقَة كَمَا قَالَه القارىء، وَدَعوى الصِّحَّة وَهِي الْمُتَأَخِّرَة وَبرهن عَلَيْهَا بِمَا قيل عَنهُ إِنَّه تكلّف، وَأَنت فِي الْحَقِيقَة الْمُسْتَدلّ، وَغَيْرك ادّعى أَولا وَلم يسْتَدلّ لمدعاه فَكل مِنْكُمَا مُدع: على أَن التَّأَخُّر مَعَ الِاسْتِدْلَال فِيهِ شبه غصب للمنصب كَمَا لَا يخفى فنتج أَنَّك مستدل لَا مُجيب، وَأَنه لَا يَكْفِيك الْمَنْع، وعَلى كل فَمثل هَذِه المباحث لَا يُفِيد فِيهَا ذَلِك الِاصْطِلَاح، كَمَا طفحت بِهِ نُصُوص الْأَئِمَّة واستدلالاتهم، وَإِنَّمَا ذَلِك فِي العقليات وَنَحْوهَا، وَلَو سمعنَا فِي الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة مجردِ الْمَنْع لأفضى ذَلِك إِلَى خرق كَبِير إذْ لَا يَنْتَهِي الْأَمر فِيهَا إِلَى مَا يقطع بِفساد الْمَانِع بِخِلَاف العقليات، ثمَّ قَوْلك لم لَا تجوز وُجُوه أُخْرى إِلَى آخِره، يُقَال عَلَيْهِ إِنَّمَا يحْتَاج لتكلف تِلْكَ الْأُمُور لَو صحت رِوَايَة الْفَاء، فَكَانَ تَجْوِيز تِلْكَ مُتَعَيّنا للاضطرار إِلَيْهِ، أما تَجْوِيز وُرُودهَا والتمحل لَهُ بِتِلْكَ التكلفات فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ، والمنازعة فِي شَيْء مَعَ ظُهُور المُرَاد مِنْهُ لَيْسَ من دأب المُحصلِّين. على أَنه يلْزم من ذَلِك التجويز مَحْذُور منَاف لما أصلوه وقرروه، هُوَ أَنه لَا يتَحَقَّق لنا عطف خَاص على عَام وَلَا عَكسه لِأَنَّهُ مَا من عَام وخاص إِلَّا وَيُمكن أَن يحمل الْعَام فِيهِ على بعض الْأَفْرَاد الْمُخَالفَة لذَلِك الْخَاص، فَيحصل التباين فَعلمنَا أَن ذَلِك الْحمل غير سَائِغ، وَأَن المُرَاد بِالْعَام وَالْخَاص بِاعْتِبَار مدلولهما الْمُتَبَادر مِنْهُمَا لُغَة فِي كَلَام أهل اللُّغَة، أَو شرعا فِي كَلَام أهل الشَّرْع، وَمَا نَحن فِيهِ إِنَّمَا هُوَ من كَلَام الشَّارِع ﷺ فَلَيْسَ لنا حمله على معنى لغَوِيّ أَو عرفي أَو عَقْلِي، وَإِنَّمَا يحمل على الْمَعْنى الشَّرْعِيّ، وَهُوَ فِي إِحْسَان الذّبْح يَشْمَل مقدماته وذاته ولواحقه، كَمَا صرح بِهِ أهل الشَّرْع، والمعول فِي هَذَا لَيْسَ إِلَّا عَلَيْهِم، فَتعين على كل أحد قَبُوله. وَإِذا كَانَ الْإِحْسَان بِهَذَا الْمَعْنى الشَّرْعِيّ الْمُتَبَادر مِنْهُ عِنْد أَئِمَّة الشَّرْع، ظهر أَنه من عطف الْخَاص على الْعَام، وَأَن تِلْكَ التجويزات لَا تجدي هُنَا شَيْئا، لما تقرر مِمَّا لم يعول فِيهِ على مَحْض تَفْسِير الْبَعْض بل على ذَلِك وَمَا مَعَه مِمَّا يسْتَقلّ بِالْحجَّةِ فِي منع تِلْكَ التجويزات هُنَا، وقولك المتناول لإيقاعه مَعَ التَّحْدِيد، يسْتَلْزم أَن التَّحْدِيد مَأْمُور بِهِ، وَإِلَّا لم تكن لتِلْك الْمَعِيَّة فَائِدَة، وحينئذٍ فَيكون (وليحد) عطف خَاص على عَام وَهُوَ الْمُدعى، وقولك وَتجْعَل الإراحة إِلَخ يلْزم عَلَيْهِ أَن (وليرح) عطف عَام على خَاص بِالنِّسْبَةِ لقَوْله (وليحد) وَهُوَ تَتَعيَّنُ فِيهِ الْوَاو أَيْضا، فَمَا أُرِيد الْفِرَار مِنْهُ حصل الْوُقُوع فِيهِ، وَلَو تمسكنا بقول الْأَئِمَّة تعليلًا فِي ندب التَّحْدِيد والإراحة لِأَنَّهُ من إِحْسَان الذّبْح الْمَأْمُور بِهِ لَكَانَ ذَلِك كَافِيا لنا وشاهدَ صِدْق لَا يقبل الْمَنْع، على أَن مَا فِي الحَدِيث من عطف الْخَاص على الْعَام، وكونك فِي مقَام الْمَنْع، بِأَن أنَّ الْوَاقِع خِلَافه وَأَن مقامك الِاسْتِدْلَال على أَنه لَا يَلِيق بك أَن تَقول إنَّ تَفْسِير أَئِمَّة الشَّرْع مِمَّا يُوجب الْعُمُوم وَالْخُصُوص لَيْسَ دَلِيلا عليّ، ثمَّ رَأَيْت دَلِيلا من السّنة وَاضحا لَا يقبل النزاع على أَن ذَلِك من عطف الْخَاص على الْعَام وَهُوَ حَدِيث مُسْند الدَّارمِيّ وَلَفظه: (حفظتُ من رَسُول الله ﷺ اثْنَتَيْنِ قَالَ: إنَّ الله كتب الإحسانَ على كُلِّ شَيْء، فَإِذا قتلتُمْ فَأحْسنُوا القِتْلة، وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذِّبحة وليحد أحدكُم شفرته ثمَّ ليرح ذَبِيحته) فَقَوله: (اثْنَتَيْنِ) صَرِيح فِي أَن (وليحد، وليرح) داخلان فِي إِحْسَان الذبْحَة الَّذِي هُوَ الْخصْلَة الثَّانِيَة، وَالْأولَى هِيَ إِحْسَان القتلة فِي الْقود وَالْحُدُود فَظهر إِدْخَال (وليحد وليرح) فِي الْعدَد وَإِنَّمَا أُلْغِيا وعَدَّ مَا شملهما وَهُوَ إِحْسَان الذّبْح وَهَذَا صَرِيح فِي عدم مباينتهما الْإِحْسَان، وَإِلَّا لبطل قَول الصَّحَابِيّ اثْنَتَانِ مَعَ أَنه يُرجع إِلَيْهِ لكَونه من أهل اللِّسَان وَالشَّرْع فِيمَا هُوَ أخْفى من ذَلِك فَتَأمل ذَلِك فَإِنَّهُ نَفِيس، وتجويز أَن الْوَاو فِي (وليحد) للاستئناف صَحِيح فِي حد ذَاته لَا هُنَا، لِأَنَّهُ يلْزم عَلَيْهِ أَن الْأَمر بالإحداد لاَ بِقَيْد إِرَادَة الذّبْح، وَلَا قَائِل بِهِ فِيمَا نعلم فَتعين بِمُقْتَضى شَهَادَة السِّيَاق وغرض تعليمهم مَا يتَعَلَّق بِإِحْسَان الذّبْح، أَن الْعَطف على (أَحْسنُوا) حَتَّى يكون الْأَمر بالإحداد مُقَيّدا بِإِرَادَة الذّبْح، وَإِنَّمَا صَحَّ الِاسْتِئْنَاف فِي (نُقِّر) وَفِي (فَيكون) لِأَن مَا قبلهَا لَيْسَ شرطا فِي مُفادها فَلَيْسَ نَظِير مَا نَحن فِيهِ، وَهَذَا الَّذِي قَرّرته بِعَيْنِه هُوَ الْمَانِع لصِحَّة كَون الْفَاء فِي فليرح لَو وردتْ للاستئناف لِأَنَّهُ يلْزم عَلَيْهِ الْأَمر بالإراحة لابقيد الذّبْح فَلَا تُمتْهن فِي عمل مَا، وَلَو بِمَا لَا يُتْعبها وَلَا قَائِل بِهِ أَيْضا، وَهُوَ الْمَانِع أَيْضا لصِحَّة عطف (وليحد) على مَجْمُوع جملَة الشَّرْط وَالْجَزَاء على مَا فِيهِ، وَبَيَانه وَاضح مِمَّا تقرر أَنه يلْزم عَلَيْهِ الْأَمر بِمُطلق إحداد الشَّفْرَة، وَمُطلق الإراحة،
1 / 69