وتضمن الملاحظة الصحيحة للإنسان أفضلية في الحياة لا جدال فيها.
وتدل التجارب التي أدرجت في هذا الفصل دلالة واضحة على كون الشهادة التي عدت من أضمن مصادر التاريخ فيما مضى لا تنطوي على غير قيمة ضعيفة.
وجمع شهادات حول حادثة - كما يصنع اليوم عن الحرب - عمل لا نفع فيه، فليس بتكديس الخطأ ما يمكن استخراج حقيقة.
والآن ندرس مناهج أخرى أضمن بمراحل من المناهج التي ذكر نقصها، وذلك وصولا إلى تصحيح حياة أحد الأدوار.
الفصل الثالث
تعيين حوادث التاريخ بدراسة المباني والكتابات والأوسمة
لا يعلق المؤرخون على العموم غير أهمية ضعيفة على المباني ومختلف آثار الفن، ولا سيما الأوسمة، ومع ذلك فإن هذه الآثار تظهر بين أضمن مصادر التاريخ، فهي كتب لا تكذب أبدا، وهي تشتمل على لغة بالغة الوضوح، بيد أنه لم يبدأ بإدراكها في غير أيامنا.
والمباني من حيث بعض الحضارات هي المصدر الوحيد الذي يصحح به الماضي تقريبا، فبفضل هذه الآثار الحجرية يعد اطلاعنا على المصريين والآشوريين والهندوس مثلا أفضل من اطلاعنا على أمم ظهرت على مسرح العالم بعد هؤلاء بزمن طويل جدا، كالغوليين مثلا.
ويكشف فن البناء أحيانا عن عناصر التاريخ التي لا تحدث عنها الكتب، وهكذا درست مباني الهند حيث هي، فاستطعت أن أقرأ على النقوش البارزة علل زوال البدهية في شبه الجزيرة الكبرى، والبدهية ما اعتقد حتى ذلك الحين أنها زالت بفعل الاضطهادات العنيفة، مع أنها توارت بانصهارها في الديانات السابقة.
وتؤدي دراسة الآثار الفنية إلى تصحيح الآراء الكلاسية، وإذا ما اعتقدت أقاصيص المؤرخين المجمع عليها تقريبا عدت القرون الوسطى دور وحشية سوداء، وإذا كانت هذه الوحشية حقيقية من الناحية الذهنية لم تكن كذلك من حيث الحياة الفنية، فإذا نظر إلى روائع البنائين والمصورين والنحاتين الصواغ في ذلك الدور رئي أن الفن القومي لم يبلغ من النشوء ما بلغه في القرون الوسطى، حتى إنه يمكن أن يقال - على الرغم من رأي كثير من المؤرخين - إن تطور عصر النهضة كان رجعيا أكثر من أن يكون تقدميا من بعض الوجوه.
Неизвестная страница