شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
Жанры
أهل الجنة وأهل النار
وعن أسامة بن زيد ﵄ قال: قال النبي ﷺ: (كنت على باب الجنة -أي: وقفت على باب الجنة- فإذا عامة من يدخلها الفقراء والمساكين)، الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء من المؤمنين والموحدين بنصف يوم وهو خمسمائة عام، وإنما يحبس الأغنياء للحساب: من أين اكتسبت؟ وفيما أنفقت؟ والحديث كذلك في الصحيحين.
[وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ -التقدير: قالوا: بلى- قال: هم الضعفاء والمساكين)]، ولا يعني ذلك أن الأقوياء الأفذاذ لا يدخلون الجنة، وإنما المقصود: أن الضعفاء يدخلون الجنة أولًا، فهم أول ثلة وزمرة يدخلون الجنة، فالجنة هي دار الأتقياء، وأهل الإيمان والإسلام منهم القوي والضعيف، ولذلك قال ﵊: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)، وسمى النبي ﷺ ما عند القوي والضعيف خيرًا أي من الإيمان، قال: (وفي كل)، أي: في القوي والضعيف من الإيمان خير، فالجنة لأهل الإيمان كما قال ﵊: (والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة نفس منفوسة إلا نفس مسلمة)، وفي رواية: (مؤمنة)، وهذا قد ذكرناه في الدرس الماضي.
[وقال ﵊: (ألا أدلكم على أهل الجنة)] وكلمة (ألا أدلكم) من أساليب التشويق في اللغة العربية وهي بمعنى: ألا أخبركم، ألا أنبئكم، ألا أحبوكم، فلابد أن هذا الأسلوب إنما يسترعي انتباه الناس، بحيث تكون حواسهم كلها مجتمعة لسماع ما يدلهم عليه المخبر بذلك [قال ﵊: (ألا أدلكم على أهل الجنة -والتقدير: بلى يا رسول الله- قال: كل ضعيف متضعف)] والضعيف بمعنى: المتذلل، الخاضع لله ﷿ لا لأحد من العباد، إنما لله ﷿، فالمرء عنوان إسلامه واستسلامه لله ﷿ أن يضع هامته وهي أعلى شيء فيه في الطين والوحل سجودًا لله ﷿، وهذا دليل الذل والخضوع والقرب من الله ﷿، فإذا كان هذا من المسلم لله ﷿، فهذا عنوان صدق إيمانه، وإخلاصه لله ﷿.
أما من أبى أن يسجد كما أبى المشركون، لما قرأ النبي ﵊ سورة النجم فسجد المشركون وسجد المسلمون، إذعانًا لله ﷿، أما المؤمنون فلهم وجه في سجودهم، والمشركون لهم وجه آخر لا يدخلهم هذا الوجه في الإيمان والإسلام، ولكنهم ذهلوا تمامًا لما سمعوا هذه الآيات العظيمة فسجدوا لما رأوا النبي ﷺ قد سجد، إلا واحدًا أبى أن يسجد، وأخذ كفًا من حصى فوضعه عند جبهته فأذله الله ﷿، فعنوان الذل والخضوع لله ﷿ والتضعف أن يسجد المرء لله ﷿ وأن يجعل هامته -التي هي شرفه، وأعلى شيء فيه- في الطين، والوحل، والتراب لله ﷿.
[قال: (ألا أدلكم على أهل الجنة، كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره)] إن عامة الناس خير من كثير ممن يشار إليهم بالبنان، فلو أتينا برجل علم من أعلام الناس، وأتينا بهذا الخادم الذي يخدم المسجد الذي لا أعرف اسمه، وأنا أظن أنه أقرب إلى الله ﷿ من ملء الأرض مثلي، وأنا أطلب منه الدعاء في الذهاب والمجيء؛ لعلمي أنه ضعيف متضعف ربما لو أقسم على الله لأبره.
وكان معنا في بلاد الشام رجل لا يترك طاعة إلا وله فيها سبق عظيم لكن لا يؤبه له، وأحيانًا يكون الإنسان بينه وبين ربه عمار والناس لا ينتبهون إليه، حتى لا نعقد قلوبنا على أن أعلام الناس هم الذين يعلمون الناس، أو الواسطة بين الخلق وبين العباد، فربما ينفعك من عامة الناس ما لا ينفعك من أعلامهم.
كان هذا الأخ ضعيفًا متضعفًا، وكان في الغالب إذا ذهب إلى أخ أو شيخ أو غير ذلك أغلق الباب في وجهه، وكنت إذا وقعت في ضائقة والله لا أجد بابًا مفتوحًا إلا باب هذا الأخ، فإذا ذهبت إليه فلا أغادره إلا وقد انكشفت عني الغمة، فكنت أقول دائمًا إذا لقيته: (رب عبد مدفوع بالأبواب، أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبره)، ولا زلت أعتقد هذا في الأخ لفرط تقواه وصلاحه، والله تعالى حسيبه.
فالنبي ﵊ دائمًا يحذرنا من الاستهانة بالمعروف وإن قل، ويحذرنا كذلك من الوقوع في المعصية وإن دقت، فالطاعة مهما قلت فهي من أعظم أسباب الفشل والرجوع إلى القهقرى والاستهانة بسلاح العدو، والاستهانة بما عند العدو، حتى وإن لم يكن على شيء فينبغي احترام كونه عدوًا، ومن احترامه إعداد العدة له مهما بلغ في الضعف، فلابد أن أظن أنه في قمة القوة والنشاط والمواجهة حينئذ إذا لقيته نجحت معه في هذا اللقاء.
وقال النبي ﷺ لـ سراقة ﵁: (ألا أخبرك بأهل الجنة وأهل النار؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: أما أهل الجنة فالضعفاء المغلوبون) أي: المظلومون، (وأما أهل النار فكل جعظري، جواظ، مستكبر)، الجعظ
4 / 3