172

Шарх аль-‘Акида ат-Тахавия - Халид аль-Муслих

شرح العقيدة الطحاوية - خالد المصلح

Жанры

عقيدة أهل السنة في الصلاة خلف الأئمة
قال المؤلف ﵀: [ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم.
ولا نُنزل أحدًا منهم جنة ولا نارًا، ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى] .
يقول ﵀: [ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم] نرى: أي نعتقد، والرؤية هنا رؤية العلم والاعتقاد، و(الصلاة) المقصود بها: الصلاة المفروضة، أو الصلاة التي يشرع لها الاجتماع من الصلوات المسنونة، يشمل هذا وهذا والمراد نرى ونعتقد وجوب الصلاة خلف كل (بر) وفاجر، بر أي: صاحب طاعة، (فاجر) أي مسرف بالمعصية.
ولكن المؤلف ﵀ قيد الفجور بقوله: [من أهل القبلة] يعني: من أهل الإسلام، وأهل القبلة تقدم لنا أنهم أهل الإسلام الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما رواه البخاري منفردًا: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذاك المسلم له ما لنا، وعليه ما علينا) .
فالمؤلف ﵀ يقول: [نصلي خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة] يدخل في هذا الكلام الصلاة خلف العصاة والفساق والفجار، فإننا نصلي خلفهم لقول عثمان ﵁: (إن الصلاة من أحسن ما عمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب) كما في صحيح البخاري، ولا شك أن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا صلى الإنسان خلف الفاسق فإنه شاركه في خير وبر، ولم يشاركه في إثم ومعصية.
وهذا الذي ذكره المؤلف ﵀ هو عقد أهل السنة والجماعة.
وأما ما ورد من الخلاف بين الفقهاء في جواز الصلاة خلف الفاسق؛ فإنه خلاف موجود بين الفقهاء، لكن الصحيح ما ذكره المؤلف ﵀ من أن السلف كانوا يصلون خلف كل بر وفاجر.
والإمام لا يخلو من أحوال: إما أن يكون مستور الحال لا نعلم حاله، فهذا يجب الصلاة خلفه على كل حال، وترك الصلاة خلفه من البدع التي يخالف الإنسان بها طريق أهل السنة والجماعة، ولم يقل أحد من أهل العلم: يجب أن تسأل عن عقيدة الإمام الذي تصلي خلفه، أو أن تفتش عن باطنه، وأن تسأل عن حاله، فهذا مما لم يقله أحد من أهل العلم.
الحالة الثانية: أن يكون من أهل الطاعة.
وهذا لا إشكال في أن الصلاة خلفه من عمل أهل السنة والجماعة.
الحالة الثالثة: أن يكون من أهل الفسق والمعصية.
وهذا فيه الخلاف بين العلماء، لكن الصحيح أنه يصلى خلفه لا سيما إذا كان إمامًا، وعلى هذا يخرج البحث الذي ذكره الفقهاء في مسألة صحة إمامة الفاسق؛ فإن بحث الفقهاء في صحة إمامة الفاسق في غير الأئمة، أي: غير الأمراء والمقدمون؛ فإن الصلاة خلفهم ديانة، ولو كانوا على فسق؛ لأن الصحابة أحرص منا على الخير، وأعلم منا بالشرع، ومع ذلك كانوا يصلون خلف الأمراء أبرارًا كانوا أو فجارًا، بل نقل عنهم أنهم صلوا خلف الحجاج، والحجاج مشهور ظلمه، ومعروف حاله عند الصحابة، صلى خلفه عبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، بل إن عبد الله بن مسعود ﵁ صلى خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان شرابًا للخمر، حتى إنه صلى بهم صلاة الفجر أربع ركعات، فلما سلم، قال: هل أزيدكم؟ قال عبد الله بن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة، ولم ير هجره وترك الصلاة خلفه؛ لأنه كان الأمير في الجهة التي فيها ابن مسعود ﵁.
المهم أن مسألة الخلاف في صلاة الفاسق يخرج عنها ما إذا كان النظر في الصلاة خلف من ولاه الله أمر المسلمين، فإنه يصلى خلفه ولو كان فاجرًا، وهذا من عقد أهل السنة والجماعة الذين تميزوا به عن أهل البدعة.
الحالة الرابعة من أحوال الإمام: أن يكون مبتدعًا لا عاصيًا، وهذا يصلى خلفه أيضًا إذا كان لا يجد الإنسان غيره، وإذا كان هو المتولي للجمعة والجماعة، ولو كان داعية إلى بدعته، فإن الصحابة والتابعين صلوا خلف ابن أبي عبيد وكان متهمًا بالإلحاد والبدعة، وكل هذا إنما هو لتحقيق معنى الجماعة، وعدم الفرقة، وبه نعلم خطأ الذين يفرقون بين الناس ويدعون إلى المنابذة، والمخالفة، والتحزب، والتشرذم، والتفرق؛ فإن هذا خلاف ما كان عليه سلف الأمة.
يقول ﵀: [ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة] ويشهد لهذا أن عثمان ﵁، لما خرج عليه الخوارج وحصروه في بيته، جاءه أحد السائلين فقال له: يا عثمان أنت إمام جماعة، وهذا الذي يصلي بنا إمام بدعة، فهل نصلي خلفه؟ فقال: (يا ابن أخي! إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنبهم) مع أنه ﵁ محصور، والذي يصلي بالناس من أعدائه وخصومه الذين خرجوا عليه، ومع ذلك لم يقل: لا تصل خلفه، بل قال: إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، يعني: صلي معهم، وإذا أساءوا فاجتنبهم، وهذا يدل على كمال ورعه ﵁، وعظيم منزلته، ولو كان شخصًا من عموم الناس أو غير عثمان فالمتوقع: أن يقول -في أقل الأحوال- لا تصل خلفه؛ لأنه نازعه حقه وإمامته، لكن مع ذلك قال: صل خلفه، إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، وهذا يدل على كمال فقهه ﵁.
والمراد: أنه يصلى خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، لكن عند الاختيار إذا أردت أن تختار بين أن تصلي خلف إمام مبتدع، وبين إمام من أهل السنة؛ فعند الاختيار لا إشكال أنك تذهب إلى إمام أهل السنة، لكن في بعض البلاد التي يظهر فيها قول من أقوال المبتدعة، ولا يكون في المكان الذي أنت فيه أحد من أهل السنة، فنقول: صل مع الناس، ولا تترك الجمعة والجماعة؛ فإن ترك الجمعة والجماعة هو البدعة، وهو المخالف لطريق أهل السنة والجماعة.
يقول: [وعلى من مات منهم] أي: من أهل القبلة؛ فإن أهل السنة والجماعة يرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة، سواء كان فاسقًا مبتدعًا أو مستور الحال لا فرق، لكن إن رأى أصحاب المكانة والمنزلة أن يعتزلوا الصلاة على أهل الفجور، وأهل البدعة؛ ردعًا لبدعتهم، فهذا الأمر سائغ ولا بأس به، لكن من حيث العموم يصلي أهل السنة والجماعة على كل من مات من أهل القبلة، يعني: ممن ينتسب إلى الإسلام، وهل يصلى عليه ولو كان منتسبًا للجهمية أو القدرية أو الرافضة؟
الجواب
نعم؛ لأن انتسابه إلى هذه البدعة المغلظة لا يسوغ الحكم عليه بالكفر عينًا؛ وفرق بين أن نقول: الجهمية كفار، وبين أن نقول: هذا كافر، لأن المسألة فيها تفريق واضح بين عند أهل السنة والجماعة، فرق بين التكفير العام وبين الحكم بالكفر على المعين، فيصلى على من كان من أهل الإسلام ولو كان من أهل الملل.
يقول: [ولا ننزل أحدًا منهم جنة ولا نارًا] أي: لا نشهد ولا نحكم لأحد من أهل القبلة، وتقدم تقييد هذا الإطلاق بمن شهد له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بجنة أو نار، فمن دلت النصوص على أنه من أهل الجنة فهو من أهل الجنة، أو هو من أهل النار فهو من أهل النار، ومن عدا من دلت عليه النصوص فإننا نمسك عن الشهادة له؛ لأن الشهادة له بجنة أو نار لا تنفع.
وقوله: [لا ننزل أحدًا منهم] أي: من أهل القبلة، وغير أهل القبلة هل ننزلهم النار؟ الجواب: ظاهر عقد أهل السنة والجماعة -وصرح به بعضهم- أنه لا يشهد للكفار بالنار على وجه التعيين، أما على وجه العموم فكل كافر في النار، لكن على وجه التعيين لا نشهد لمعين بالنار إلا من شهد له النبي ﷺ.
يقول: [ولا نشهد عليهم بكفر، ولا بشرك، ولا بنفاق] لأن هذه أحكام مبنية على نصوص، فلا نشهد عليهم بكفر، ولا بشرك، ولا بنفاق؛ ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، يعني: من الشرك والكفر والنفاق، ويجب فيما إذا ظهر منهم شيء من ذلك أن نقيم عليهم الحجة، وأن نبين لهم الخطأ، فإن أصروا عليه ولم يرتدعوا عن الكفر أو الشرك أو النفاق فعند ذلك حكمنا لهم بما تقتضيه أحوالهم وأفعالهم، لكن بعد إقامة الحجة، وبعد البيان والتوضيح.
يقول ﵀: [ونذر سرائرهم إلى الله تعالى] أي: نكل سرائرهم إلى الله تعالى؛ لأن السرائر لا سبيل إلى معرفتها، ولا إدراك ما فيها، فإنها خفايا مستورة لا يعلمها إلا الله جل وعلا؛ ولذلك قال ﷾: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه:٧]؛ فالسر من علمه ﷾ ليس من علم غيره، ما أكنته القلوب وأخفته الأفئدة وأسرته الضمائر علمه إلى الله جل وعلا، ولا يكشف ولا يتبين إلا يوم تبلى السرائر، فيجب ترك السرائر إلى الله؛ فالبحث في النيات والمقاصد أمره إلى الله جل وعلا ليس إليك، لكن من ظهر منه أمر عاملناه وحكمنا عليه بما ظهر منه، لا بما قصده، ما لم يعتذر بأمر يوجب رفع الحكم عنه.
ذكرنا أن كلام المؤلف ﵀ يشمل كل المبتدعة الذين لم نعتقد كفرهم، أما من كان كافرًا فإنه لا يصلى عليه، فقوله: [ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم] هذا يشمل كل من لم يكفر ببدعته، ولا فرق بين أن تكون البدعة مكفرة وبين ألا تكون مكفرة، بمعنى: أنه قد تكون البدعة مكفرة، ويكون القول كفرًا، لكن لا نحكم على القائل بأنه كافر، فهنا يدخل في عموم قوله: [ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم] .
وقد ذكر شيخ الإسلام ﵀ في حكايته للصلاة خلف المبتدعة والتفصيل في ذلك، وقال: ويدخل في هذا الجهمي والرافضي، وذكر في موضع آخر: أنه لا يصلى خلف من لا يرى الجمعة والجماعة كأئمة الرافضة، فالمسألة على عمومها في كلام المؤلف ﵀: [ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم]، ولا يعني هذا أن يتقصد الإنسان الصلاة على هؤلاء، أو يطلب الصلاة عليهم، ولا يخالف هذا ما قرره أهل السنة والجماعة من هجر المبتدع، وقد نقل عن الإمام أحمد ﵀ قال: لا أشهد جنازة جهمي ولا رافضي، ومن أحب أن يشهدهم فليشهد.
وهذا يدل على أن المسألة فيها خيار، وأنه للإنسان أن يختار ألا يصلي ع

16 / 3