Шарх аль-‘Акида ат-Тахавия - Халид аль-Муслих
شرح العقيدة الطحاوية - خالد المصلح
Жанры
شرح العقيدة الطحاوية [١]
من أولى ما ينبغي على طالب العلم أن يهتم به ما يتعلق من الدروس بالاعتقاد، لا سيما مع كثرة الضلال في هذا الباب، واشتباه الحق بالباطل على كثير من الناس، فيلزمه أن يعتني بمسائل الاعتقاد، حتى يبني معتقده وما يدين الله به على أرض صلبة، وعلى حجة وبرهان من كتاب الله وسنة نبيه، وهذا لا يتأتى إلا بالنظر فيما ذكره الله جل وعلا في كتابه من العقائد، وفيما ذكره رسوله ﵊ في سنته، وفيما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.
1 / 1
لمحة تاريخية في سبب تأليف العقائد وتدوينها
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي بمصر ﵀: [هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به رب العالمين] .
فهذا الدرس هو قراءة في كتاب الطحاوية عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى.
ولا شك أيها الإخوان أن ما يتعلق بالاعتقاد من الدروس والمؤلفات والبحوث هو من أولى ما ينبغي لطالب العلم أن يهتم به لاسيما مع كثرة الضلال في هذا الباب، واشتباه الحق بالباطل على كثير من الناس، وليس هذا خاصًا بالمبتدئين من طلاب العلم، ولا حتى المتوسطين بل هو عام وقع فيه كثير من المحققين من أهل العلم.
ولذلك ينبغي لطالب العلم أن يعتني بمسائل الاعتقاد، وأن يحرر فيها القول، وأن يبني عقده وما يدين الله به على أرض عزاز على أرض صلبة على حجة وبرهان من الكتاب والسنة، وهذا لا يتأتى إلا بالنظر فيما ذكره الله جل وعلا في كتابه من العقائد، وفيما ذكره رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سنته، وفيما كان عليه سلف الأمة القرون المفضلة فإنهم خير القرون لاسيما ما كان عليه الصحابة، فإنهم أفضل الناس وخيرهم بعد النبي ﷺ.
فينبغي للمؤمن أن يتحرى ما كانوا عليه، فإنهم على الحق والهدى، تلقوا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الاعتقاد والعمل، فعملوا بما اعتقدوا، وكانوا على معين صافٍ، وعلى حجة بينة، وعلى هدى وبرهان، لم يختلط بما اختلط به حال من بعدهم من العقائد المختلفة، والأقوال المبتدعة، والآراء الناشئة عن عقائد وأقوال فاسدة، فينبغي لطالب العلم أن يحرر هذا القصد.
ومن رحمة الله جل وعلا بهذه الأمة أن جعل كتابها محفوظًا، وقيض لسنة النبي ﷺ من يميز الحق فيها من الباطل، ومن يميز الصحيح من غير الصحيح، وأيضًا يسر الله جل وعلا من يدون عقائد السلف ويبين أقوالهم وما كانوا عليه، ويبين ضلال الضالين ويرد على المنحرفين.
ولذلك كانت كتب الردود في العقائد من أوائل ما ألف في الاعتقاد؛ لأن الناس كانوا على صراط الله المستقيم، وعلى هدى وحجة وبرهان، لم يلتبس عليهم الحق، ولم يختلط عندهم الأمر، بل كانوا على محجة واضحة بيضاء نقية، ثم حصل الزيغ والانحراف، واحتاج أهل العلم أن يردوا على المنحرفين، فرد من رد في القرن الأول في الصدر الأول من التابعين، بل رد الصحابة ﵃ على ما ظهر من البدع في أوقاتهم، كما جرى من ابن عمر مع القدرية وابن عباس مع الخوارج وغيرهما من صحابة رسول الله ﷺ.
وهكذا سار على هذا المنوال وهذا الطريق الأئمة المهديون من بعدهم الذين تلقوا عنهم وساروا على طريقهم، فردوا البدع، ولم يكونوا بحاجة إلى أن يؤلفوا عقائد؛ لأن الناس يستقون عقائدهم من الكتاب والسنة، ويتلقون من قال الله وقال الرسول، ليس عندهم في ذلك شك ولا ريب.
فلما حدثت البدع وتنوعت الطرق وتكاثرت الأقوال الفاسدة احتاج العلماء إلى أن يؤلفوا عقائد يميزون فيها صراط أهل السنة والجماعة، وطريق الفرقة الناجية المنصورة عن غيرها من الطرق، فكان من أوائل المؤلفات ما ألفه حماد بن أبي سليمان في الفقه الأكبر، وكذلك ما كتبه أبو حنيفة ﵀ في كتابه الفقه الأكبر، وهي ورقات معدودة زيد فيها ما ليس منها.
ثم بعد ذلك نقلت العقيدة عن الإمام أحمد من رواية بعض أصحابه، ونقل الاعتقاد المشهور عن الإمام الشافعي عن بعض أصحابه.
وهكذا كانت العقائد تنقل عن الأئمة وتدون، ثم جاء بعد ذلك من العلماء من ألف وكتب في عقائد السلف، في مطولات ومختصرات، ومن أوائل من ألف في المختصرات أبو جعفر الطحاوي ﵀ في هذه العقيدة التي بين أيدينا، وسندرسها إن شاء الله تعالى، وهي عقيدة مشهورة ذائعة الصيت، تكلم عنها العلماء المتقدمون واعتمدوها، ونقلوا عنها، حتى إنهم ينقلون منها فصولًا ومقاطع طويلة في الاستدلال لعقيدة السلف.
وممن فعل ذلك الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، فإنه ذكر عقيدة الطحاوي ونقل منها، وكذلك ابن القيم ﵀ وغيرهما من أهل العلم، فالعقائد كانت مؤلفة منذ وقت طويل، وعرفتم سبب ذلك وهو: أن الناس حصل عندهم اشتباه وحدثت الأقوال المنحرفة والآراء المبتدعة في دين الله ﷿؛ فاحتاجوا إلى أن يميزوا الحق عن الباطل وأن يبينوا صراط أهل السنة والجماعة عن غيره.
وهذا لا يعني أن ما تضمنته هذه العقائد قد حوى جميع عقيدة أهل السنة والجماعة، ولا يعني أيضًا أن هذه العقائد اقتصرت فقط على ذكر ما يتعلق بالعقيدة دون غيره من المسائل، بل فيها من مسائل الفقه ما هو معروف مشهور سيمر علينا بعضه في هذه الرسالة.
ومنها ما اقتصر على أبواب من أبواب الاعتقاد، وعلى جوانب من العقيدة ركز عليها للحاجة -فيما يظهر للكاتب المؤلف- إلى البيان والتوضيح في هذه الأبواب وهذه الجوانب.
1 / 2
تعريف بعقيدة الإمام الطحاوي
عقيدة الطحاوي ﵀ عقيدة مختصرة تكلم فيها عن أصول الإيمان، وعن ما يتعلق بأكثر أبواب الاعتقاد، إلا أنه ﵀ كان في كلامه شيء من التكرار.
1 / 3
ملاحظات على العقيدة الطحاوية
فإن هذه العقيدة وقع فيها تكرار في عدة مواضع، فكرر فيها كلامًا في مسائل تقدم له تقريرها، ولا حاجة إلى إعادة الكلام فيها، ولعل ذلك ناشئ عن نظر المؤلف إلى أهمية هذه المسائل، وإلى الحاجة إلى تكرارها وتأكيدها.
كذلك مما يلاحظ على هذه العقيدة: أنها لم تحرر عقيدة أهل السنة والجماعة وعقيدة السلف الصالح فيما يتعلق في باب الإيمان، بل وقع فيها خلط واشتباه فيما يتعلق بالإيمان، حيث أن المؤلف ﵀ سار على ما كان عليه مرجئة الفقهاء في قولهم في مسائل الإيمان، وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى ونوضحه.
1 / 4
شروحات العقيدة الطحاوية
هذه العقيدة شروحها كثيرة في القديم والحديث، فلها من الشروح ما هو على طريق أهل السنة والجماعة، ومنها ما هو على طريق المبتدعة الذين لووا أعناق النصوص، وحرفوا الكتاب والسنة فضلًا عن كلام البشر، فإنهم حرفوا كلام الطحاوي وحملوه على ما يوافق العقائد المنحرفة من عقائد الأشاعرة والماتريدية وغيرهم من مثبتة الصفات الذين خالفوا أهل السنة والجماعة.
وأشهر هذه الشروح وأخلصها وأصفاها من الاشتباه ما كتبه ابن أبي العز ﵀، حيث إنه كتب شرحًا موسعًا ضمنه بيانًا واضحًا لكثير من مسائل الاعتقاد، وكثير من مواد هذا الكتاب ومحتوياته -يعني: ومما فيه- ما هو منقول عن شيخ الإسلام ﵀ وعن تلميذه ابن القيم يعرف هذا من عرف كلام الشيخين، بل هناك نصوص ومقاطع طويلة منقولة من كلام الشيخين، ولا ضير في ذلك فإن المؤلف ﵀ أراد بيان الكتاب بكلام مبتدأ منه وبكلام مستفاد من غيره.
وأيضًا مما تميز به هذا الشرح: أنه شرح محرر من حيث الاستدلال، فهو مليء بالأدلة النقلية من الكتاب والسنة التي تقرر ما تضمنته هذه العقيدة من مسائل الاعتقاد على اختلاف أبوابها.
فهذا الشرح من أوفى الشروح أجمعها وأوسعها، إلا أنه في الحقيقة لا يناسب المبتدئين؛ لكثرة التشعبات التي فيه، ولكونه حوى مسائل في الحقيقة هي من فضول المسائل، وليست من أصول مسائل الاعتقاد، كمسألة التسلسل على سبيل المثال، وكمسالة أيهما أفضل الملائكة أم البشر؟ وما أشبه ذلك من المسائل الكلامية هل الاسم غير المسمى؟ وما أشبه ذلك.
وهذا الكتاب في الجملة كتاب جيد من أفضل شروح هذه العقيدة المباركة.
وللمتأخرين هناك عدد من الشروح وعدد من التعليقات، فقد علق عليها شيخنا عبد العزيز بن باز ﵀ تعليقات مفيدة في كتاب مختصر وله شرح وتعليق على شرح ابن أبي العز، وهو تعليق مفيد جيد، قرأ عليه شرح الطحاوية وعلق عليه في مواضع عديدة تعليقات مفيدة جيدة لطالب العلم، إلا أن الصوت فيها رديء، وفي الجملة فإن الذي يتقن سماع الشيخ ﵀ لا يجد إشكالًا في فهم الكلام.
وهناك تعليقات للشيخ ناصر الدين الألباني ﵀ في الشرح وفي الاستدراك، وفي بيان هذه العقيدة، وهو شرح مختصر، وقبل هذين الشرحين هناك شرح لـ ابن مانع وهو من علماء هذه البلدة، وهو شرح مفيد جيد، قرر فيه عقيدة أهل السنة والجماعة، وبين فيه ما في هذه العقيدة من العقائد المباركة.
هذا أبرز ما لهذه العقيدة من شروح المتأخرين، وهناك شرح جديد للشيخ صالح الفوزان أثابه الله، لخص فيه الكلام على جمل هذه العقيدة، وهو شرح مفيد مختصر مناسب لطالب العلم المبتدئ.
1 / 5
بيان منهج الإمام الطحاوي في عقيدته المختصرة
بين المؤلف ﵀ في مقدمته على هذه العقيدة ما الذي يريد تحقيقه، وما الذي يريد الكتابة فيه.
قال ﵀: (بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين) فبدأ الرسالة بما جرى عليه أهل العلم ﵏ من البداءة بالبسملة؛ تأسيًا بكتاب الله ﷿؛ واتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسيرًا على ما جرى عليه عمل أهل العلم ﵏ في مؤلفاتهم وكتاباتهم، والبداءة بالبسملة سنة جارية في الكتاب والسنة، وفي عمل أهل العلم قديمًا وحديثًا، والبسملة تقدم الكلام عليها وأنها جملة اسمية أو فعلية تامة مفيدة، المتعلق فيها إما أن يكون اسمًا أو فعلًا مقدرًا مؤخرًا مناسبًا.
قال ﵀: (وبه نستعين) .
بعد أن بدأ بـ (بسم الله) ﷿ أعقب ذلك بالاستعانة به، والاستعانة بالله ﷿ من أعظم ما يحصل به الإنسان مقصوده.
قال النبي ﷺ: (ومن يستعن بالله يعنه) .
فإن الإنسان إذا استعان بالله ﷿ على تحصيل مطلوبه يسر الله ﷿ له مطالبه، أما إذا اعتمد على نفسه وجهده وكده وعمله في تحصيل أموره فإنه لا يوفق إلى تحصيل المطلوب، بل كثيرًا ما يفوته غرضه ومقصوده، فينبغي للمؤمن أن يكل أمره إلى الله، وقد قال الله جل وعلا في السورة المتكررة التي يقرؤها أهل الإيمان في صلواتهم: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٥] .
فجعل بعد إفراد الله بالعبادة إفراده بالاستعانة، وذلك أنه: (إذا لم يكن عونًا من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده) فينبغي للمؤمن ألا يغتز بقوته وحوله، بل لا حول ولا قوة له إلا بالله، فيستعين بالله ﷿ على مطلوبه دقيقًا كان أو جليلًا، فإن الله جل وعلا إذا لم ييسر لك الأمر لم يتيسر؛ لأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو جل وعلا، فينبغي للمؤمن أن يعلق قلبه بالله ﷿، مستعينًا به في فهم العلم ونشره وبذله وفي إفادة الناس به، فإنه إذا أعان الله عبدًا وفق إلى خير كثير.
قال ﵀: (الحمد لله رب العالمين) .
وهذه المقدمة هل هي من المؤلف أو من غيره؟ على كل حال: الظاهر أنها من كاتب هذه العقيدة ومؤلفها وهو الطحاوي ﵀، فبعد البسملة والاستعانة حمد الله وهو أحق من حمد جل وعلا، وحمده إثبات الكمال له، فإن الحمد هو: ذكر المحمود بصفات الكمال محبة وتعظيمًا.
وهذا أحسن ما قيل في تعريف الحمد، ولابد من هذين القيدين الأخيرين أنه: ذكر لصفات المحمود على وجه المحبة والتعظيم، فإذا لم يكن محبةً ولا تعظيمًا فإنه لا يسمى حمدًا.
1 / 6
بيان عقيدة أهل السنة والجماعة
(قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي بمصر) .
وهو من علماء القرن الثالث والرابع الهجري، توفي ﵀ في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وله مؤلفات مشهورة نافعة في الحديث والفقه، وهو على مذهب الإمام أبي حنيفة، وإن كان في الأصل شافعيًا إلا أنه انتقل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة، وسار عليه وإن لم يكن متمذهبًا به بالمعنى الضيق؛ لأنه له اجتهادات خالف فيها الحنفية، وإنما ارتضى سبيلهم وطريقهم في التفقه في الدين.
يقول ﵀: (هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة) المشار إليه ما سيأتي تفصيله في هذه العقيدة.
فقوله ﵀: (ذكر بيان) .
المقصود توضيح وتجلية عقيدة أهل السنة والجماعة.
والعقيدة: هي ما طوى الإنسان قلبه عليه، وأصلها من العقد والشد؛ لأن الإنسان يعقد على ما يعتقد ويربط قلبه عليه، فالعقيدة هي ما طوى الإنسان قلبه عليه مما يتعلق بالله ﷿، وما يتعلق بأصول الإيمان، وهذا الذي يبينه الشيخ ﵀ في هذه العقيدة.
وقوله ﵀: (أهل السنة والجماعة) .
ليخرج غيرهم، فـ (أهل السنة) أخرج به أهل البدعة، و(أهل الجماعة) أخرج به أهل الفرقة، وهذان الوصفان متلازمان؛ لأنه لا يمكن أن يكون الإنسان من أهل السنة إلا إذا كان من أهل الجماعة، ولا يمكن أن يكون من أهل الجماعة إلا أن يكون من أهل السنة فهما وصفان متلازمان، وإنما نصوا عليهما مع أن أحد الوصفين يغني عن الآخر؛ لأن هذين الوصفين يميزان أهل السنة عن غيرهم، فهما أبرز أوصاف أهل السنة والجماعة، وأبرز صفات هذه الفرقة، فهم بالسنة مستمسكون، وإليها راجعون، وعنها صادرون، لا يعدلون بها شيئًا، ولا يقدمون عليها شيئًا، بل هي الحاسم على أقوالهم وعقائدهم وأعمالهم وآرائهم، فما جاءت به السنة أخذوا به، وما ردته السنة ردوه، وما خالف السنة ابتعدوا عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) .
وأما الجماعة فهم أهل اجتماع ليسوا أهل فرقة، وهذا وصف لابد لأهل السنة أن يعتنوا به، فإن الله جل وعلا في كتابه ذم الافتراق والاختلاف، وحث على الائتلاف والاجتماع، ونصوص ذلك كثيرة، بل هو من الشرع السابق الذي سار عليه النبيون: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى:١٣] .
(أن أقيموا الدين) إقامته بالقيام به عقدًا وعملًا، (ولا تتفرقوا فيه) أي: ولا يكن شأنكم فيه شأن المتفرقين، وهذا بيان أن الائتلاف والاجتماع هو دين النبيين وليس خاصًا بهذه الأمة؛ ولذلك كانوا أهل اجتماع وليسوا أهل افتراق، واجتماعهم ليس على هوى، إنما اجتماعهم على الكتاب والسنة، وعلى إقامة الدين الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
1 / 7
الفقهاء الذين اعتمد على مذهبهم في العقيدة الطحاوية
قال ﵀: [على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم] إلى آخر ما قال.
قوله ﵀: (على مذهب فقهاء الملة) أي: أن هذه العقيدة التي ألفها ﵀ وكتبها مستقاة مستفادة من أقوال فقهاء الملة؛ وسبب ذلك: أن من ذكرهم تميزوا عن غيرهم بالفقه من بين بقية العلوم، فـ أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن اشتهروا بين أهل العلم في القديم والحديث بالعناية بالفقه، والكتابة والتأصيل فيه، ولذلك ذكرهم بأخص ما اتصفوا به، وليس معنى هذا أنهم لا يتقنون إلا الفقه، فإنما أراد ﵀ بيان أخص ما تميزوا به عن غيرهم من العلماء.
وقوله: (الملة) .
الملة: هي الطريقة، والمقصود بالملة هنا: ملة النبي ﷺ، وهو ما يدين به صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما جاء به من ملة إبراهيم ﵇، ومن هذا نعلم: أن أبرز ما يوصف به الإنسان أن يكون من علماء الملة؛ لأن العلماء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام كما قال شيخنا محمد ﵀: - عالم ملة.
- وعالم أمة.
- وعالم دولة.
والذي ينبغي لطلبة العلم أن يسعوا لتحقيقه في أخلاقهم وأعمالهم أن يكونوا من علماء الملة الذين ينظرون إلى النصوص ويحكمونها في أقوالهم وعقائدهم وأعمالهم، ويدعون إليها ويعملون بها.
عالم الأمة: هو الذي ينظر إلى ما يشتهيه الناس وما يحبونه ويميلون إليه فيفتيهم بما يريدون وهذا مذموم؛ لأنه لا يدل الناس على الخير، إنما يدلهم ويجيبهم لما يحبون وما يشتهون.
ومثل هذا في السوء عالم الدولة: الذي ينظر إلى ما يشتهي أهل السلطة فيقول بقولهم.
والواجب على أهل الإيمان أن يكونوا من علماء الملة الذين ينظرون إلى قول الله وقول رسوله، ولا يقدمون عليهما لا شهوة الأمة ولا شهوة غيرهم بل يعملون بكتاب الله وسنة رسوله.
ذكر في هذه العقيدة ثلاثة علماء هم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ﵀.
وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري.
وأبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني.
أما أبو حنيفة فهو الإمام المقدم في هذا المذهب والمسلك، وكانت وفاته عام خمسين ومائة، وهو من الفقهاء المحققين إلا أن بضاعته في الحديث قليلة ﵀.
تبعه صاحباه في كثير من أقواله، وخالفاه حتى أنهما اشتهرا وأصبح لهما قول يعدل بقوله، وقد يقول المذهب ما قالاه لا ما قاله أبو حنيفة وهما: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وكانت وفاته عام ثلاثة وثمانين ومائة.
وأبو عبد الله محمد بن حسن الشيباني وكانت وفاته سنة تسع وثمانين ومائة رضوان الله عليهم أجمعين.
1 / 8
اختلاف أئمة المذاهب في المذاهب الفقهية العلمية واتفاقهم في مسائل الاعتقاد
قال ﵀: [على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم] إلى آخر ما قال.
قوله ﵀: (على مذهب فقهاء الملة) أي: أن هذه العقيدة التي ألفها ﵀ وكتبها مستقاة مستفادة من أقوال فقهاء الملة؛ وسبب ذلك: أن من ذكرهم تميزوا عن غيرهم بالفقه من بين بقية العلوم، فـ أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن اشتهروا بين أهل العلم في القديم والحديث بالعناية بالفقه، والكتابة والتأصيل فيه، ولذلك ذكرهم بأخص ما اتصفوا به، وليس معنى هذا أنهم لا يتقنون إلا الفقه، فإنما أراد ﵀ بيان أخص ما تميزوا به عن غيرهم من العلماء.
وقوله: (الملة) .
الملة: هي الطريقة، والمقصود بالملة هنا: ملة النبي ﷺ، وهو ما يدين به صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما جاء به من ملة إبراهيم ﵇، ومن هذا نعلم: أن أبرز ما يوصف به الإنسان أن يكون من علماء الملة؛ لأن العلماء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام كما قال شيخنا محمد ﵀: - عالم ملة.
- وعالم أمة.
- وعالم دولة.
والذي ينبغي لطلبة العلم أن يسعوا لتحقيقه في أخلاقهم وأعمالهم أن يكونوا من علماء الملة الذين ينظرون إلى النصوص ويحكمونها في أقوالهم وعقائدهم وأعمالهم، ويدعون إليها ويعملون بها.
عالم الأمة: هو الذي ينظر إلى ما يشتهيه الناس وما يحبونه ويميلون إليه فيفتيهم بما يريدون وهذا مذموم؛ لأنه لا يدل الناس على الخير، إنما يدلهم ويجيبهم لما يحبون وما يشتهون.
ومثل هذا في السوء عالم الدولة: الذي ينظر إلى ما يشتهي أهل السلطة فيقول بقولهم.
والواجب على أهل الإيمان أن يكونوا من علماء الملة الذين ينظرون إلى قول الله وقول رسوله، ولا يقدمون عليهما لا شهوة الأمة ولا شهوة غيرهم بل يعملون بكتاب الله وسنة رسوله.
ذكر في هذه العقيدة ثلاثة علماء هم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ﵀.
وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري.
وأبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني.
أما أبو حنيفة فهو الإمام المقدم في هذا المذهب والمسلك، وكانت وفاته عام خمسين ومائة، وهو من الفقهاء المحققين إلا أن بضاعته في الحديث قليلة ﵀.
تبعه صاحباه في كثير من أقواله، وخالفاه حتى أنهما اشتهرا وأصبح لهما قول يعدل بقوله، وقد يقول المذهب ما قالاه لا ما قاله أبو حنيفة وهما: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وكانت وفاته عام ثلاثة وثمانين ومائة.
وأبو عبد الله محمد بن حسن الشيباني وكانت وفاته سنة تسع وثمانين ومائة رضوان الله عليهم أجمعين.
فهذه العقيدة مستفادة من أقوال هؤلاء، وليست العقيدة مذهبًا خاصًا يعمل به ويفرق الناس عليه، يعني: ليست كالمذاهب الفقهية العملية، إنما العقيدة قول لم تختلف الأمة في أصوله، وفي كثير من فروعه وتفاصيله فهم متفقون عليه.
ولذلك لا يقال: هذا في العقيدة حنفي أو هذا في العقيدة شافعي، فإن الشافعية والحنفية والحنابلة والمالكية وغيرهم من المذاهب الفقهية إنما هي مذاهب وأقوال في المسائل العملية، وأما مسائل الاعتقاد فإنها مبنية على الكتاب والسنة لا تفرق فيها.
ولا يعني هذا أنه لا خلاف بين أهل السنة في مسائل الاعتقاد بالكلية لا في الأصول ولا في الفروع، لكن الكلام على أن الخلاف محدود، وهو في الفروع لا في الأصول، ليس بين أهل السنة والجماعة خلاف في مسائل الاعتقاد، بخلاف مسائل العمل فإن فيها خلافًا بينًا واضحًا.
قال ﵀: [وما يعتقدون من أصول الدين] .
(ما يعتقدون) أي: ما يدينون به وما يعتقدونه في أصول الدين، و(أصول الدين) المراد به مسائل الاعتقاد، وهذا التقسيم ثابت منذ زمن بعيد، فقسم الدين إلى أصول وفروع، الأصول: هي ما يتعلق بالعقائد، والفروع: هي ما يتعلق بالأعمال، وإن كان هذا التقسيم غير مطرد؛ لأنه في الحقيقة يجعل ما هو أصل فرعًا، فمثلًا الصلاة أصل وذلك لقوله النبي ﷺ: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) .
وعلى هذا التقسيم هي من مسائل الفروع، وهذا لا شك أنه نزول برتبتها وهي عمود الدين، لكن هذا التقسيم جرى عليه العلماء، وليس المراد بتقسيم الأصول والفروع التقليل من شأن الفروع، إنما المراد هو تمييز ما يتعلق بالاعتقاد عما يتعلق بالعمل، فلما كان غالب ما يتعلق بالعمل هو من الفروع سمي جميع ما يتعلق بالعمل فروعًا، وإن كان في مسائل الاعتقاد فليس من الفروع، كمسألة: أيهما أفضل الملائكة أو البشر؟ فإن الإنسان لو مات ولم يكن له فيها اعتقاد دين ما ضره ولا نقصه، بل لا يزيد الإيمان ولا ينقص بمعرفة الراجح في مثل هذه المسألة، فالتقسيم إلى أصول وفروع إنما هو لأجل تمييز مسائل الاعتقاد عن مسائل العمل.
قال: [ويدينون به رب العالمين] .
(يدينون) أي: يتعبدون، أصلها من دان يدين، والمراد في ذلك ما في هذه العقيدة مما يتعبد الله جل وعلا بها، فقوله: (يدينون به رب العالمين) أي: يتعبدون بها لله جل وعلا، ومن هذا نفهم أن العقيدة ليست أقوالًا جامدة كما يقول بعض الناس، إنما هو عقد يتعبد العبد به الله جل وعلا، ويدين به ربه ﷾، ويتقرب إلى الله بهذا الاعتقاد، فالعقيدة مما يتقرب به إلى الله جل وعلا، بل هي من أجل ما يتقرب به إلى الله سبحانه؛ لأن العقيدة من أعمال القلوب، ومعلوم أن جنس أعمال القلوب أعظم عند الله ﷿ من جنس أعمال الجوارح، فكان العناية بالاعتقاد مما ينبغي لطالب العلم أن يهتم به تعبدًا وعملًا.
1 / 9
أنواع التوحيد وما دعت إليه الرسل
يقول ﵀ بعد هذه المقدمة التي بين فيها منهجه في هذه العقيدة المختصرة المباركة: [نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله] .
(نقول في توحيد الله) وتوحيد الله هنا بمعناه العام الذي يشمل توحيد الإلهية والربوبية والأسماء والصفات؛ لأن هذه العقيدة لم تختص فقط ببيان نوع من التوحيد، وإنما قررت ما يتعلق بتوحيد الربوبية، وما يتعلق بتوحيد الإلهية، وما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات، فهي عقيدة شاملة واسعة تناولت جميع هذه الأبواب، فليست خاصة بنوع من أنواع التوحيد، فمثلًا كتاب التوحيد للإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀ يقرر في الغالب توحيد الإلهية، والواسطية على سبيل المثال الغالب فيها تقرير ما يتعلق بالأسماء والصفات، كذلك الحموية فيها تقرير توحيد الأسماء والصفات فقط وهلم جرًا، أما هذه العقيدة فقررت ما يتعلق بالتوحيد على وجه العموم.
والتوحيد في الأصل مأخوذ من وحد يوحد توحيدًا، فهو مأخوذ من وحد، وأصل هذا الفعل دائر على معنى الإفراد أي: أفرد، فالتوحيد هو إفراد الله ﷿، وبماذا يحصل إفراده؟ إفراده يختص به ﷾ في الإلهية وفي الربوبية وفي الأسماء والصفات، وأهم ذلك ما يتعلق بتوحيد الإلهية؛ لأنه الأصل الذي جاءت الرسل بالدعوة إليه، وهو المقصود من النوعين الآخرين، وهما: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
فإن المقصود من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الربوبية: تقرير الإلهية، ولذلك استدل الله جل وعلا في الكتاب على إلهيته بأسمائه وصفاته، وبما ذكره من معاني ربوبيته في كتابه ﷾، وأنه رب كل شي.
ولا يعني هذا أن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ليس لهما أهمية، بل إن توحيد الأسماء والصفات مما يزداد به الإيمان ويرسخ، ويتحقق توحيد الإلهية بقدر ما يتحقق في قلب الإنسان من توحيد الأسماء والصفات، فهي متلازمة يبنى بعضها على بعض، لكن في بيان ما جاءت الرسل بالدعوة إليه، وجرت الخصومة بينهم وبين أقوامهم إنما هو في توحيد الإلهية، وإن كان وقعت مخالفات في توحيد الربوبية ومخالفات في توحيد الأسماء والصفات، لكن الخلاف الأساسي والأصلي الذي جرى بين الرسل وأقوامهم هو في توحيد الإلهية.
1 / 10
عقيدة أهل السنة إفراد الله ﷿ في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته
يقول ﵀: (نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله) .
أي: أن هذا الاعتقاد وهذا القول ليس من جهدنا، ولا من كدنا، ولا من عملنا، ولا من جودة أفكارنا وعقولنا، بل هو بتوفيق الله، وهذا فيه تفويض الأمر إلى الله جل وعلا، لينفي العبد عن نفسه العجب، فإن الإنسان إذا نظر إلى عمله على أنه كسبه ومن جهده وكده اغتر ووقع في العجب الذي يحبط العمل، لكنه إذا أوكل ذلك إلى فضل الله ﷿، وأسند ما هو فيه من خير إلى نعمة الله ورحمته كان ذلك من أسباب زيادة الخير فيه، وشكره لهذه النعمة، وفرحه بها، وعمله بها بتوفيق الله.
ثم بين ﵀ في أول ما ذكره في هذه العقيدة المباركة: تقرير توحيد الإلهية، بل قرر ﵀ في هذا الإلهية والربوبية والأسماء والصفات، فقال: [إن الله واحد لا شريك له، واحد في أسمائه وصفاته، واحد في ربوبيته، واحد في إلهيته] وهذا فيه غاية التوحيد في جميع أبوابه وأصنافه؛ في توحيد الربوبية، وفي توحيد الإلهية، وفي توحيد الأسماء والصفات.
(لا شريك له) هذا فيه تقرير أنه لا شريك له في إلهيته، ولا في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته، ففي هذه الجملة: أثبت التوحيد بأنواعه الثلاثة، وأن الله جل وعلا لا شريك له في هذه الأنواع الثلاثة كلها، وحقيقة توحيد الربوبية اعتقاد أن الله الواحد في ربوبيته، وأن تعتقد بأنه الخالق الرازق المالك المدبر المحيي المميت.
وحقيقة اعتقاد أن الله واحد في صفاته: أن تثبت له ما أثبت لنفسه من الأسماء والصفات، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وأنه ليس كمثله شيء في صفاته ﷾.
ومما يتحقق به أن الله واحد بإلهيته: أن تفرده ﷾ بالعبادة، فلا تشرك معه ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا، بل جميع العبادات له وحده دون غيره، وبهذا يتحقق عقد: إن الله وحده لا شريك له.
وقد أحسن المؤلف ﵀ حيث قدم هذه العقيدة بهذا الاعتقاد، وبهذه الجملة التي تضمنت إثبات الكمال بالتوحيد لله ﷾ في الإلهية وفي الربوبية وفي الأسماء والصفات.
مسألة: هل هناك أنواع أخرى من التوحيد تدخل في قول: إن الله واحد لا شريك له؟
الجواب
لا.
جميع أنواع التوحيد مندرجة تحت هذه الثلاثة، فمثلًا ما يتكلم عنه ابن القيم ﵀ من توحيد المحبة، فهو من جملة توحيد الإلهية، وتوحيد التوكل أيضًا من جملة توحيد الإلهية والربوبية، فجميع الأقسام التي تذكر على وجه الانفراد من أنواع التوحيد لابد وأن تندرج تحت أصل من هذه الأصول الثلاثة: - إما توحيد الإلهية.
- أو توحيد الربوبية.
- أو توحيد الأسماء والصفات.
ولذلك جرى عمل العلماء ﵏ منذ زمن بعيد على الاقتصار في ذكر أقسام التوحيد على هذه الأقسام الثلاثة، ولا حاجة إلى مزيد تقسيمات؛ لأن كثرة التقسيمات يحصل بها التشويش، ومعلوم أن التقسيم مقصوده في الأصل التسهيل، فإذا أكثرنا التفصيل انفرط العقد، وأصبح للمحبة توحيد، وللخشية توحيد، وللخوف توحيد، وللحكم توحيد وهلم جرًا، مع أن هذه كلها يمكن أن تندرج في الأقسام التي جرى عليها كلام أهل العلم، واستقر عليها الأئمة من تقسيم التوحيد إلى: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، ولا حاجة إلى المزيد، بل كل من زاد نقول له: هذا القسم يندرج تحت هذا النوع وانتهى الأمر، ولا حاجة إلى تشقيق أكثر من هذا.
فجميع صور التوحيد وأنواعه تندرج في قوله ﵀: (إن الله واحد لا شريك له) .
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله.
1 / 11
شرح العقيدة الطحاوية [٢]
الله ﷾ واحد لا شريك له في ملكه وألوهيته وأسمائه وصفاته، له الإرادة الكاملة بنوعيها فلا يعجزه شيء، ومهما تخيل الإنسان وأعمل فكره في الله فإنه لا يستطيع إدراك علمه وخلقه وذاته.
2 / 1
اعتقاد أن الله لا مثيل له من مخلوقاته
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: قال رحمه الله تعالى: [نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره، قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد، لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبه الأنام، حي لا يموت، قيوم لا ينام، خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة، مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة] .
فتقدم معنا في أول هذه العقيدة ما ذكره المؤلف ﵀ في افتتاحها من ذكر توحيد الله جل وعلا في قوله: (إن الله واحد لا شريك له) وقلنا: إن هذا فيه إثبات جميع أنواع التوحيد لله رب العالمين: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وبينا كل نوع من هذه الأنواع.
ثم قال المؤلف ﵀: (ولا شيء مثله) ولا ريب أن الله جل وعلا ليس كمثله شيء، فإن الله جل وعلا الكامل في صفاته الذي دلت العقول والنصوص على أنه لا نظير له ﷾، لا مثيل له في ربوبيته لا مثيل له في إلهيته لا مثيل له في أسمائه وصفاته، ولذلك نفى الله جل وعلا عن نفسه النظير والمثيل في كتابه بألفاظ متنوعة، فقال ﷾: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١] وهذا نفي واضح للمثيل.
ومنه قوله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم:٦٥] فنفى عن نفسه السمي وهو النظير والمثيل.
ونفى أيضًا الند فقال: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٢٢] .
ونفى أن يدرك بالأمثال فقال ﷾: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ﴾ [النحل:٧٤] .
ونفى العديل والكفء فقال ﷾: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:٤] .
وكل هذا لتقرير هذا الأمر الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة، ودل عليه الكتاب والسنة والعقل، وهو أن الله جل وعلا لا مثيل له، ومهما طلب العقل مثيلًا للرب فإنه ينحصر ويقف دون إدراك ذلك، بل هو ﷾ الذي لا نظير له ولا كفء، ولا سمي ولا ند له جل وعلا، وهذا ليس خاصًا في أسمائه وصفاته فقط، بل وفي ربوبيته وإلهيته ﷾، فلا مثيل له فيما يتعلق بالربوبية، ولا مثيل له فيما يتعلق بالأسماء والصفات، ولا مثيل له فيما يجب له من الحقوق، وهو ما يعرف بتوحيد الإلهية، فلا مثيل له في إلهيته ﷾.
2 / 2
أنواع النفي في صفات الله
ثم قال ﵀: (ولا شيء يعجزه) وهذا كالجملة السابقة في أن المؤلف ﵀ ذكر وصف الله ﷿ بالنفي المتقدم في قوله: (ولا شيء مثله) نفي مجمل قد دلت على مجيئه في صفات الله ﷿ النصوص من الكتاب والسنة، والنفي المجمل في كتاب الله ﷿ وفي سنة رسوله ﷺ ليس نفيًا وعدمًا محضًا، بل هو نفي لإثبات الكمال للرب ﷾، فإنه إذا قرأ قول الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١] كان ذلك مفهمًا ومعلمًا أنه ﷾ الكامل في صفاته، الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه.
2 / 3
النفي المجمل في صفات الله
وكذلك النفي في بعض أنواعه -وهو النفي التفصيلي- يفيد إثبات الكمال للرب ﷾، فالنفي في صفات الله ﷿ يرد على أمرين: - يرد نفيًا مجملًا كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١] وكقوله ﷾: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم:٦٥] ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:٤] وما أشبه ذلك من النفي المجمل.
2 / 4
النفي المفصل في صفات الله
- ويرد النفي عن أوصاف خاصة وهو ما يسمى بالنفي المفصل، وهذا النوع من النفي في صفات الله ﷿ قليل في الكتاب والسنة، ولا يرد إلا لفائدة: إما أن يكون لإثبات كمال الضد كما هو في قول المؤلف: (ولا شيء يعجزه) فإن نفي الإعجاز عن الرب ﷾ في مثل هذا إنما هو لإثبات كمال قدرة الله جل وعلا، فلما كملت قدرته ﷾ نفى جل وعلا النقص في هذه القدرة بنفي العجز، فلا يعجزه شيء ﷾.
يأتي النفي مفصلًا في صفات الله ﷿ لنفي ما اعتقده الجاهلون في رب العالمين، ومن ذلك قوله جل وعلا: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق:٣٨]، وكقوله ﷾: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة:٦٤] فهذا إثبات لنفي ما تقدم من كلام اليهود: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [المائدة:٦٤] فهنا ليس فيه نفي محض لكنه نفي معنوي للمعنى السابق بصيغة الإثبات.
2 / 5
المراد من إيراد النفي في صفات الله
المراد أن النفي قد يرد في صفات الله ﷿، ويراد به نفي ما اعتقده الجاهلون في رب العالمين ﷾، وما وصفه به أهل الإلحاد والكفر وأهل الشرك، ونفي التنقص لرب العالمين.
والنفي يرد في صفات الله ﷿ ويقصد به نفي النقص فيها، والمراد به: إثبات كمال الصفة، مثال هذا ما ذكره الله جل وعلا في أعظم آية من كتابه ﷾: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة:٢٥٥] فأثبت الله ﷾ في هذه الآية الحياة والقيومية له ﷾، ثم نفى فقال: ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ [البقرة:٢٥٥] والغرض من هذا النفي هو إثبات كمال الصفة، وأنه لا نقص فيها، فالذي لا تأخذه سنة ولا نوم إنما اتصف بهذا لكمال حياته وقيوميته جل وعلا.
فقول المؤلف ﵀: (ولا شيء مثله) من أي أنواع النفي؟ من النفي المجمل؛ لأنه نفي عام وليس نفيًا لصفة خاصة، فنفى المثيل له ﷾ في قوله: (ولا شيء يعجزه)؛ إنما هو لإثبات كمال قدرته ﷾.
2 / 6
اعتقاد تفرد الله ﷿ بالإلهية
ثم قال رحمه الله تعالى: (ولا إله غيره) معنى الإله: المعبود المألوه الذي تألهه القلوب محبة وتعظيمًا ورقة، والإله في أصل كلام العرب: اسم جنس لما قصد بشيء من العبادة، لكنه غلب على الله جل وعلا؛ لأنه مستحق للعبادة، فما سمي من الإله دون الله ﷾ إنما هو تسمية خالية من معناها، فإنه لا إله إلا الله، ولا معبود بحق إلا هو جل وعلا، وهذه الكلمة هي أصل الإسلام وأساسه، ولا يقر الإيمان، ولا يستقيم الإسلام، ولا يصلح حال أحد إلا بهذه الكلمة، فبها صلاح الدنيا والآخرة، وهي أول مطلوب وآخر مطلوب، وكونه أول مطلوب لأنه لا يدخل أحد الدين إلا بلا إله إلا الله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) .
وآخر مطلوب: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) فكانت لا إله إلا الله هي أول المطالب وما يخاطب به الناس، وهي آخر ما يندب الناس إليه ويطلب منهم، وذلك لعظم هذه الكلمة التي من أجلها أوجد الله جل وعلا الجن والإنس، قال الله ﷾: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:٥٦] ولا تتحقق العبادة إلا بالإقرار بأنه لا إله إلا الله -لا إله غيره جل وعلا- والاستقامة على هذه الكلمة، والعمل بمقتضاها، فإن العبادة كلها مشمولة بهذه الكلمة داخلة فيها، ولذلك كان شأنها عظيمًا، فإذا قالها الإنسان صادقًا من قلبه حرمه الله على النار، وكان من أهل الجنة.
فقول المؤلف ﵀: (ولا إله غيره) فيه إثبات إلهية الرب ﷾، فمعنى الكلمة لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، لماذا احتجنا إلى تقدير (حق)؟ حتى نخرج المعبودات الباطلة، ولو قلنا: لا معبود إلا الله لوقعنا في الإشكال، وهو وجود من يعبد غير الله، ألم يعبدوا الشمس والقمر والأصنام والملائكة والأنبياء؟ فهؤلاء عبدوا من دون الله، فهذا القيد ضروري لإخراج كل من عبد من دون الله وهو باطل، أيضًا لابد من هذا القيد؛ لأن الكلام بدون هذا القيد يفهم منه معنى باطل، وهو أن كل ما عبد من دون الله فهو إله حق.
فإذا قال قائل: لا معبود إلا الله.
تفهم منه أن كل من توجه إليه العبادة فهو إله ومعبود، وهذا المعنى هو ما كان يقوله أهل وحدة الوجود الذين جعلوا كل شيء معبودًا من دون الله، فالذي يعبد الصنم إنما يعبد الله، والذي يعبد الشمس إنما يعبد الله، والذي يعبد الملائكة إنما يعبد الله، والذي يعبد الكلاب والخنازير إنما يعبد الله، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، ومنه قول شاعرهم: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الرب إلا عابد في كنيسة فجعل كل معبود من دون الله إنما هو في الحقيقة يعبد الله، وهذا المعنى باطل، لكن الذين قالوا: لا معبود إلا الله ولم يقدروا (بحق) يقين أنهم لا يقصدون هذا القول، لكن لما كان يترتب على عدم التقدير معنى باطل احتجنا إلى تقدير (حق) فكلمة (حق) ضرورية لإخراج المعبودات من دون الله ولنفي ما يعتقده أهل وحدة الوجود من أن كل معبود في الأرض هو الله جل وعلا؛ لأن هؤلاء يعتقدون أن كل شيء تعبده أو كل شيء عبد من دون لله فهو على حق ولا تنكر على عبدة الأصنام ولا على عبدة الفروج ولا على عبدة الأحجار لأن هؤلاء إنما يعبدون الله عندهم، وهذا كذب وضلال وتحريف لدين رب العالمين.
لكن ما الدليل من الكتاب على هذا التقرير، (لا إله حق)؟ الدليل قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ [الحج:٦] وقوله تعالى ﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ﴾ [يونس:٣٢] فكل هذا يدل على وجوب تقدير (حق)؛ لأن ما عبد من دونه فإنما يعبد من غير حق وبدون استحقاق.
2 / 7
اعتقاد أن الله قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء
ثم قال ﵀: [قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء] .
(قديم بلا ابتداء) أي: أنه جل وعلا لا بداية له، ولا أول له، فهو الأول الذي ليس قبله شيء.
(دائم بلا انتهاء): هذا فيه الخبر عن آخريته ﷾، وأنه ليس بعده شيء، وهذان الوصفان في كلام المؤلف ﵀ مأخوذان من قوله تعالى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ﴾ [الحديد:٣] وهذان الاسمان للرب جل وعلا اللذان يتضمنان إثبات وصف الأولية والآخرية، ويفيدان معنى واحدًا للرب جل وعلا، وهو الإحاطة الزمنية، فالله جل وعلا قد أحاط بكل شيء زمنًا، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء جل وعلا، ولا ينافي هذا أن أهل الجنة يقال لهم: (خلود بلا موت) فإن خلودهم إنما هو بإعطاء الله جل وعلا وهبته ومنته، فليس خلودهم ذاتيًا، بخلاف آخريته جل وعلا وبقائه، فإنه ﷾ وصف له ذاتي ليس مكتسبًا من شيء، وهذا معنى قول الله جل وعلا: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ﴾ [الحديد:٣]، وقد فسر النبي ﷺ ذلك حيث قال: (أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء) .
ثم اعلم أن قوله: (قديم بلا ابتداء) علق عليه بعض الشراح فقالوا: إنه لا يصح تسمية الله بالقديم، وإن ذكر القديم إنما هو على وجه الوصف، والحقيقة أن الكلام على ظاهره ليس في أسماء الله ﷿ القديم، ولكن كلام المؤلف ليس فيه ما نحتاج بسببه إلى هذا التحليل؛ لأنه لم يقل القديم، وإنما قال: (قديم بلا ابتداء) على وجه الخبر والتفسير لقول النبي ﷺ: (الأول) وقول الله ﷿: ﴿هُوَ الأَوَّلُ﴾ [الحديد:٣] فهو ترجمة وبيان لقوله ﷺ: (الأول الذي ليس قبلك شيء) .
وأما لفظ (القديم) فإنها عند أهل الكلام تقابل ما دل عليه من الكتاب والسنة من اسمه جل وعلا (الأول)، فإن القديم عندهم هو الأول، ولذلك عندهم القديم: الذي لا بداية له، ويسمونه القدم الأزلي.
والتعبير الذي في الكتاب والسنة أفضل، وما تكلم به الله جل وعلا وما جاء في السنة أكمل وأحسن فيما يتعلق بالخبر عنه، لكن من القواعد التي ينبغي لنا أن نفهمها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته: أن الأسماء توقيفية، والصفات كذلك توقيفية إلا أنها أوسع من الأسماء.
ثم بعد ذلك تأتي المرتبة الثالثة، وهي: ما يسمى بالإخبار عن الله ﷾، فالإخبار عنه جل وعلا أوسع من الصفات، فتخبر عنه فيما لم يأت ذكره في الكتاب والسنة، فتقول: يصنع الله كذا.
وهذا لا بأس به؛ لأن الأخبار أمرها واسع، فتقول: هو قديم جل وعلا.
وتقصد بالقديم: أنه المتقدم على غيره الذي ليس قبله شيء، لكن فيما يتعلق بالأسماء وبالصفات لابد من النص الدال على الاسم والصفات.
فقوله: (قديم بلا ابتداء) هذا معنى ما ذكره الله ﷿ في اسمه الأول، كذلك: (دائم بلا انتهاء) أي: أنه لا نهاية له فهو الآخر جل وعلا الذي ليس بعده شيء.
2 / 8
اعتقاد البقاء الدائم لله تعالى واختصاصه بهذه الصفة
ثم قال ﵀: [لا يفنى ولا يبيد] .
الفناء: هو الهلاك.
والبيد: هو الانقطاع والانتهاء.
وهو قريب من معنى الفناء، فنفى المؤلف ﵀ عن الله جل وعلا هذين الوصفين، ونفي هذين الوصفين دل عليه قول الله جل وعلا: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ [الفرقان:٥٨] فأثبت لنفسه ﷾ الحياة، وهي البقاء الدائم، ثم قال: (الذي لا يموت) وهذه الصفة اختص الله جل وعلا بها دون غيره، فإن حياته حياة كاملة لا تنقضي ولا تنقطع، وأما ما عداه فإنه يهلك: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص:٨٨] وقد قال الله جل وعلا فيمن هم على الأرض: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن:٢٦-٢٧] فبقاء الله جل وعلا دائم بلا انتهاء، فقوله: (لا يفنى ولا يبيد) تأكيد لمعنى قوله (دائم بلا انتهاء)، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة:٢٥٥] .
ويدل عليه أيضًا التأكيد لهذين الوصفين في قوله تعالى: ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ [البقرة:٢٥٥] .
2 / 9