وتساءل متى تتقوض سيطرة الطغاة. متى يمكن أن يفكر محمد طنطاوي كإنسان؟ متى يحل في رأس مسيو دزرائيلي شيء غير الأرقام والنقود؟ متى تقلع عواطف زهدي عن العادات المتأصلة التي اكتسبتها في بيت الهوى التي انتشلت منه إلى عالم الفن؟ متى يكف مجدي السيد عن إنتاج أفلام كعربون لعشق جديد؟ متى تقف هذه العوامل كلها عن التدخل في فبركة القصص؟ .. ووجد نفسه تستعيد صورة الفتاة الجميلة التي عايشته منذ قليل، وحلم مرة أخرى بالحياة العريضة التي يمكن أن يصنعها جمالها الحي.
وارتفع صوت المدير وهو يقول: هه، لندخل في الموضوع، الأستاذ وديع عبد الرازق هنا ليسمع آراءكم في قصته، فيجب أن ننتهي الليلة من المناقشة حتى يشرع فورا في تعديل القصة.
واتجهت الأنظار نحو مسيو دزرائيلي باعتباره رأس المال، وكان ضائعا في المقعد الضخم لقصر قامته وضآلة جسمه فتزحزح إلى الأمام حتى استوى على طرف المقعد، وقال باهتمام: القصة تبدأ ساخنة ولكنها تنتهي باردة، هذا شيء خطير جدا.
تركزت عليه الأبصار في انتباه واحترام، وتجلت مقدمات الموافقة دون كلام، ولما هم المخرج بفتح فيه قاطعه الخواجا قائلا: لا مؤاخذة يا محمد، أنا عندي موعد، ولا بد أن أذهب حالا، فاتركني حتى أتم كلامي، قلت ساخنة وباردة، وشخصية البطل غير محبوبة؛ لأنه غني، والمتفرجون في بولاق والسيدة زينب لا يحبون الأبطال الأغنياء، ولا مجال في القصة للضحك، الجمهور يحب الضحك، وجو الضحك فرصة لخلق رقصة أو أغنية، ابحثوا هذه النقط، وإذا تعذر تعديل القصة؛ فعندي لكم سيناريو جاهز قابل للتصوير فورا.
وتساءل وديع بحدة: سيناريو؟!
فابتسم إليه ملاطفا وقال: أنا وكيل توزيع أفلام أجنبية، وعادة أستحضر جميع السيناريوهات؛ لأختار على أساسها الأفلام التي أوزعها، وأشتري ما أشاء من الأفلام، ولكني أستبقي سيناريوهات الأفلام الأخرى حتى تسعفني في مثل هذه الزنقة، ولن يضيع حقك كمؤلف، فسيكتب اسمك على القصة الجديدة، ولن تتهم بالسرقة لأن الفيلم المصور عن هذا السيناريو لن يرد إلى الشرق الأوسط، فكروا فيما قلت، وسأتصل تليفونيا بك يا مجدي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل؛ لأعرف النتيجة.
ووقف رافعا يده بالتحية فوقفت الحجرة، ثم ذهب.
وتغيرت تعبيرات الوجوه بعد ذهابه وانطلقت على سجيتها مما دل على أنه كان ثمة توتر غير ملموس ثم زال، وقلب مجدي ناظريه في الوجوه، وهو يقول بنبرة ملؤها التشجيع. - لا تهتموا بما قال، أنا عارفه، كلامه كثير لكنه يقتنع في النهاية برأيي، والحق أن هذه القصة صالحة تماما لعواطف.
فقالت عواطف: السيناريو الذي أشار إليه لخصه لي بالتليفون، وهو غير مناسب لي على أي حال، أنا لا أصلح لتمثيل الزوجة الخائنة، وسيغضب هذا غالبية جمهوري.
فقال محمد طنطاوي وهو يشعل سيجارة: فلنتكلم في قصة الأستاذ وديع. - خبرني عن رأيك فيها؟ - أنا أوافق دزرائيلي على أنها تنقصها الفكاهة.
Неизвестная страница