Слёзы Пьяццо: Первая публикация коллекции рассказов

Абдель-Гаффар Маккави d. 1434 AH
51

Слёзы Пьяццо: Первая публикация коллекции рассказов

دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة

Жанры

وقف محمود لحظات يتلفت حوله في الحارة الضيقة المسدودة بجدار طيني عال، تبادرت إلى ذهنه صورة نفق في عالم سفلي ازورت عنه الشمس وحاصرته البوابات السود وغابت عنه بركة الآلهة، وصعد الدرجتين الأوليين متهيبا شاعرا بالذنب الثقيل، ثم أخذ يخلع حذاءه ويلطم نعليه ببعضهما ليزيح الكتل الطينية العطنة، وحين استقبلته باحة الجامع النظيفة الواسعة تسرب ضوء مجهول المصدر إلى باطنه ، فاستعذب حلاوته وصفاءه ، واستطاع أن يلمح شقيقه جالسا وحده أمام المحراب الصغير شبه العاري من النقوش والزخارف، بجوار المنبر الخشبي البسيط بدرجاته القليلة، عرف شقيقه من حدبة ظهره التي لا تخطئها العين، وإن لم يقترب منه بحيث يلاحظ البياض الذي غزا شعر رأسه ولحيته، والشحوب الذي خطف بريق عينيه ووجهه الذي كان يتفجر بالقوة والعنف والثورة. كان من الواضح أن الذراعين مرفوعان أمام الصدر، وأن الكفين المضمومتين على هيئة نصف دائرة مستغرقتان في تلقي الأدعية التي تخرج حارة من فمه. قال لنفسه: ربما يستغفر في هذه اللحظة عن ذنوب أهله وبلده والعالم كله!

5

تقدم ببطء وهدوء وهو يجر قدميه بخطى الأشباح فوق الحصيرة المجدولة بأعواد الجريد الأصفر، وعيناه على المثلثات الحمراء المتتالية في وحدات متكررة إلى ما لا نهاية، اقترب من الجسد الضامر الجالس القرفصاء ولمس الظهر المقوس لمسة خفيفة ارتجف لها تحت أنامله، وتلفتت الرأس بعيونها الضيقة الذاهلة لحظات قبل أن ترتفع مع الجسد وتغيب على صدره في عناق طويل: الدكتور محمود، يا مرحبا، يا مرحبا، لك وحشة يا أخي في الله.

جلس محمود أمامه وظهره للمنبر والمحراب وعيناه تمسحان الوجه الشاحب وكفه تصعد وتهبط على الصدر النحيل ولسانه لا يطاوعه على كلمة واحدة. تنحنح الشيخ حامد وسعل قليلا قبل أن يقول في فرح حقيقي: ياه! هيرودوت بنفسه في بلدنا!

ضحك محمود بصوت عال: ولم لا تقول الطبري أو المسعودي؟! ولكنه خجل من نفسه ووضع يده على فمه. فقال حامد: لا لا، لا أصدق أن هيرودوت هنا. قال محمود هامسا: وجالس أيضا أمام أبو الهول! ثم وهو يشير بإبهامه محذرا: أبو الهول الوحيد الذي لا يزال يضمد جروحه! قال الشيخ حامد وهو يطرق برأسه: ليس وحيدا من كان قلبه مع الله، متى شرفتم البلد؟ ثم وهو يمعن النظر في وجهه: كأنك والله لم ترجع من الغربة.

قال محمود في لهجة مرحة: وهل رجعت أنت منها يا حامد؟! حتى في الجامع وحيد وغريب؟

قال حامد وهو يتلفت خلفه كأنه يتأكد من خلو المكان : تعلم أنه هو أنيسي وجليسي، انصرف الجميع بعد صلاة الظهر وبقيت لأكمل الورد وأعد لدرس العصر، ألم تقرأ في الحديث القدسي الشريف أن المسلم غريب في دنياه، والمؤمن غريب بين المسلمين. ومع ذلك فليس أستاذ التاريخ القديم أفضل حالا، أنت أيضا تعيش مع بشر ماتوا من آلاف السنين!

قال محمود: لكن المسلم الحق ينظر خلفه وأمامه إلى آلاف السنين، وإذا عرف حضارات العالم ...

قاطعه حامد: قبل أن يعرف حضارته؟ أنا أيضا أنظر بقلبي وديني إلى الوراء ألفا وأربعمائة من السنين، هذا زمن الفتنة يا أخي العزيز، تمش في السوق قليلا وستفهم ما أقول.

قال محمود في أسى: عملت بنصيحتك قبل قليل.

Неизвестная страница