Диван Мазини
ديوان المازني
Жанры
مظلم الحس والبصيرة كالتم
ثال خلو من الحجا والذكاء
قد زهاه الشموخ فاختال تيها
ولوى شدقه على الخلصاء
فإنه لا يخطئ مرة إلا أصاب ألفا؛ فقد وصف المازني في هذه الأبيات نموذج الرجل العصري، فلم ينس صفة من صفاته، وأنى لرجل العصر أن يكون غير ذلك، وهو يبصر غير ما يسمع، ويسمع غير ما يعتقد، ويعتقد غير ما يجرأ على الجهر به، وذلك ديدن الناس في كل زمان تحس في النفوس بالحاجة إلى الانتقال، فترسم مثال الكمال، ثم تكر إلى عالم الحقيقة، فلا تقابل إلا النقص والقصور، وإنها لتظل كذلك تتذبذب بين الباطن والظاهر؛ وهذا هو عين التصنع والرياء، وإن اشتد، فقل الخبث والصفاقة والكبرياء.
فإذا رأيت شاعرا مطبوعا في أمثال هذه الفترات المشئومة يبتهج ويضحك، فاعلم أن بين جنبيه قلبا صدئ من نار الألم، أو حمأة الشهوات، وإلا فهو رجل مقلد ينظم بلسانه، ولا ينظم بوجدانه.
ألا ترى كيف كان حال الأدب في الفترة التي تقدمت الانقلاب الفرنسي؟ ألا تراهم كيف لعبت الحيرة بعقولهم؟ فمن داع يدعو الناس إلى الطبيعة، ومن باحث يفكر في خلق مجتمع جديد، هذا ينحى على الدين، وهذا يسب الحياة ويلعن الوجود، وذلك تهوله فوضى الأخلاق، فيحسبها ضربة لازب، لا تنصلح ولا تتبدل، فيقوم في جنون الدهشة والذهول يحسن للناس التهتك والإباحة، أرأيت كيف استحكمت السآمة بشاتوبريان زعيم الأدب في تلك الفترة، فجعل يقول: «لقد سئمت الحياة حتى قتلتني السآمة، فلا شيء مما يحفل به الناس يعنيني، ولو أنني كنت راعيا أو ملكا، لما عرفت كيف أصنع بعصا الراعي، أو بتاج الملك، وما أظنني في الحالتين إلا كنت زاهدا في المجد والعبقرية، ملولا من العمل والبطالة، متبرما بالنعمة والشقاء؛ لقد أمضني الناس في أوروبة، وأسأمتني الطبيعة في أميركا، فليس في هذه ولا في تلك ملاذ يهش إليه قلبي، وإنني لسليم القلب، طيب النحيزة، ولكن بغير غبطة، وإخالني لو خلقت مجرما لكنت أكون كذلك بغير ندم، فليتني لم أولد! ليت أن اسمي يعفي عليه النسيان فلا يذكر أبدا ...»
وبعد، فهل ينبغي أن يحمد الناس كل زمان رأوه، وهل ثم ضرر عليهم في الشكوى من بعض الأزمنة، والنقمة عليها؟ كلا، ليس في الاستياء من الزمن السيئ ضرر، بل هذا هو الواجب الذي لا ينبغي سواه، وأولى أن يكون الضرر جد الضرر في الاطمئنان إلى زمان تتأهب كل بواطنه للتحول والانتقال.
وما أهون التعليل السلبي! لقد سهل على بعض الكاتبين أن يعللوا هذا التذمر فحسبوا أنهم أدركوا الغاية، وأصابوا النتيجة.
نظروا إلى السخط الفاشي بين طبقات الناس، فلم يصعب عليهم أن يقولوا: إنه عرض من أعراض الحياة في المدن والحواضر، وهذا صحيح، وأي عجب في ذلك؟ إنما لحكمة كانت المدن مثار القلق والشكوى؛ لأن المدينة ربيئة المدنية، وحاملة أمانة الرقي الإنساني، ولئن كان التجاج الأصوات بالشكوى في هذه الأيام أشد وأجهز منه في الأيام القديمة ؛ فذلك لأن الانتقال الوشيك أعظم من كل انتقال أحدثته الحياة المدنية إلى يومنا هذا.
Неизвестная страница