ولا خير فيه غير أن له غنىً ... وإن له كشحًا إذا قامَ أهضما (١)
وكان من أفحش الهجاء عند العرب أن تصف رجلًا بوصف النساء فكيف بصهره صاحب الخصر النحيل الذي يشبه خصور النساء؟
فاتنا ذكر أن عمرو بن هند ملك الحيرة كان متذوقًا للشعر، يتوافد عليه الشعراء من كل جانب فوقد عليه طرفة مع خاله المتلمس فأنشده وأعجب بشعره وعاش في بلاطه نديمًا لو ولولي عهده قابوس. وجاءت الصدف عكس ما يشتهي طرفة. فبينما كان يشرب يومًا بين يدي عمرو بن هند أطلت أخته فشبب بها طرفة حيث قال:
ألا يا ثاني الظبي الـ ... ـذي يبرق شنفاهُ (٢)
ولولا الملك القاعد ... قد الثمني فاهُ
فنظر إليه عمرو بن هند نظرة غضب ويقال أنه وضعه في الأإقامة الجبرية وجعل عليه أخاه قابوس رقيبًا.
اتفق بعدها أن عمرو بن هند خرج يومًا للصيد فأمعن في الطلب، فانقطع في نفرٍ من أصحابه حتى أصاب طريدته فنزل وقال لأصحابه اجمعوا حطبًا، وفيهم عبد عمرو بن بشر صهر طرفة. فقال لهم عمرو: أوقدوا فأوقدوا وشووا. فبينما عمرو يأكل من شوائه وعبد عمرو بن بشر يقدم إليه إذ نظر إلى خصر قميصه منخرقًا فأبصر كشحه، وكان من أحسن أهل زمانه جسمًا فقال له عمرو بن هنج: يا عبد عمرو لقد أبصر طرفة كشحك حيث يقول:
ولا خير فيه غير أن له غنىً ... وإن له كشحًا إذا قامَ أهضما
_________
(١) الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضبع. الأهضم: الرقيق.
(٢) الشنفان: مفردها الشنف وهو أعلى موضع القرط في الأذن.
1 / 6