Философские исследования (часть первая): в современной исламской мысли
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Жанры
وهي علوم نظرية مثل علم أصول الدين، ولكنها تطوره وتحيله إلى علوم يغلب عليها العقل أكثر من النقل، وتتعامل مع الحضارات الأخرى دون خوف أو تردد. وقد تشعبت إلى حكمة منطقية وحكمة طبيعية وحكمة إلهية، دون أن تكون هناك حكمة إنسانية أو حكمة تاريخية، وبالتالي غاب بعدا الإنسان والتاريخ من وجداننا القومي، فقامت نظمنا السياسية بلا إنسان، لا ترعى حقوقه، ولا تدافع عن كرامته. كما أنها نظم خارج التاريخ لا ترتبط بماضيها ولا تخطط لمستقبلها. فانفصل الوعي السياسي عن حقوق الإنسان وعن الوعي التاريخي في آن واحد. وتعثر العمل السياسي، واختلفت النظم في تصورها للهياكل الاجتماعية والسياسية، ولكنها اتفقت فيما بينها على تجاهل قضية الإنسان، وتجاهل المرحلة التاريخية التي تمر بها مجتمعاتنا.
أما الحكمة المنطقية فإنها لا تتعدى قواعد المنطق الصوري، منطق القضايا، ما دام منطقا عقليا خالصا لا يعارض النقل في شيء، وقادر على أن يعصم المذهب من الوقوع في أخطاء الاستدلال أو اللغة. ولكنه لم يتحول إلى منطق جدلي تاريخي، منطق للصراع بين الأضداد، وبالتالي لم نستطع فهم قوانين الصراع في مجتمعاتنا الحالية، وتصور السياسة على أنها تغيير نظام بنظام عن طريق الانقلاب والقفز على السلطة، أي سياسة صورية خالصة بلا جدل وبلا تاريخ، خلت من الجماهير، واعتمدت على الزعامات أي على التصورات السلطوية وعلى المعجزات والمغامرات والمبادرات الفردية.
والحكمة الطبيعية والحكمة الإلهية بالرغم من اختلافهما إلا أنهما في نهاية الأمر تقومان على تصور ثنائي واحد للعالم. بقدر ما نعطي الطبيعة نأخذ من الله وبقدر ما نعطي الله نأخذ من الطبيعة. فالعلاقة بين الطبيعة والله علاقة سالب بموجب، حادث بقديم، فان بباق، ممكن بواجب، عدم بوجود. فدمرنا الطبيعة لحساب الله، ونظرنا إلى الله فضاعت الأرض من تحت الأقدام. وعدنا فتصورنا الطبيعة كمادة وصورة، معلول وعلة، كثير وواحد، حركة ومحرك، وكأننا جعلناها مجرد سلم إلى الله، ودليل عليه. أما الله فهو عقل وعاقل ومعقول، عشق وعاشق ومعشوق، جلال وبهاء وجمال، وعشقنا الطهارة كتعويض عن عالم البؤس والشقاء. وكانت غاية الإنسان الاتصال بالعقل المفارق، والاتحاد به، فتحولت الحكمة إلى تصوف وإشراق، وضاع العقل لحساب الذوق. ونحن ما زلنا في عملنا السياسي ندعو إلى العقلانية والعلم، وندعو إلى اكتشاف الطبيعة وقوانينها، وما من مجيب.
وقد تصورت علوم الحكمة الفضائل النظرية أعلى من الفضائل العملية، وأن الذي يفكر بعقله أفضل من الذي يعمل بيده، وبالتالي استحال في عملنا الاجتماعي الدعوة إلى العمل والمعاهد المتوسطة والمدارس الفنية، وترسب في وعينا القومي أن الجامعات أفضل من المعاهد، وأن المفكر أفضل من العامل، وأن الياقات البيضاء أفضل وأشرف من الياقات الزرقاء. فاحتقرنا العمل اليدوي. وأراد الكل أن يكونوا مهندسين ومشرفين وإداريين لا عمالا منتجين، صناعا أو زراعا. وفي تصور «المدينة الفاضلة»، يرأسها الفيلسوف الحكيم أعلم البشر وأحكمهم وأفضلهم وأشجعهم وأنقاهم، الحاكم الأوحد، والزعيم الملهم، والقائد الأعظم، والمجاهد الأكبر، والإمام، يتلوه من هم أقل منه فضلا، الوزراء والكتاب، يتلوهم العمال والزراع. فإذا خرجت القاعدة أو جزء منها على القمة وجب بترها حتى يصح الجسد كله ببتر العضو الفاسد! أصبحت «المدينة الفاضلة» صورة اجتماعية لنظرية الفيض أو الصدور حيث يتربع أيضا في قمة الكون الواحد، ثم يصدر عنه الثاني، ثم الثالث، حتى العاشر. وبالتالي أصبح النظام هرميا في المعرفة وفي الوجود وفي الأخلاق السياسة، ونتجت عن ذلك النظم البيروقراطية والإقطاعية والرأسمالية. واستحال أي عمل سياسي لتغيير المجتمع إلى نظم أخرى لا مركزية اشتراكية جماهيرية شعبية، طالما أن التصور الهرمي للعالم النابع من التراث الفلسفي ما زال مترسبا في الوجدان الفردي وفي الشعور الاجتماعي.
3 (ج) علوم التصوف
وهي علوم عملية في مقابل العلمين النظريين السابقين، تهدف إلى تصفية القلب؛ فهي طريقة للوصول وليست منهجا للاستدلال، تقوم على «التأويل» أي الرجوع إلى المصدر الأول وليس على «التنزيل» أي استنباط الأحكام من الأصول إلى الفروع. وقد نشأت هذه العلوم في بدايتها كرد فعل على التكالب على الدنيا، والصراع على السلطة، ومظاهر البذخ والترف في المجتمع الإسلامي، واليأس من التغيير، وإصلاح الناس والعودة إلى الشرعية وحياة النبوة الأولى، بعد أن استشهد المئات من آل البيت الخارجين على الدولة الأموية. فما دام الأمر أصبح ميئوسا منه، وما دام إصلاح العالم أصبح طريقا مسدودا فالأولى العكوف على الذات، وإصلاح النفس، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وفي هذا الموقف خرج حديث: «عدنا من الجهاد الأصغر (جهاد الأعداء) إلى الجهاد الأكبر» (جهاد النفس). وأصبح التصوف لهذا السبب الطريق الأوحد للخلاص، خلاص النفس بعد أن استعصى خلاص العالم، وإنقاذ النفس بعد أن استحال إنقاذ الآخرين، وتصفية الداخل بعد أن استقرت الأبنية الاجتماعية والسياسية في الخارج واستحال تغييرها. فساد الانفعال دون العقل، وأصبح الهدف هو الأعلى لا الأدنى، فوق الرأس وليس تحت القدمين، في السماء لا في الأرض. وأصبح الطريق مقسما إلى مقامات؛ مثل التوبة، والصبر، والزهد، والشكر، والرضا، والقناعة، والتوكل. وكلها قيم سلبية تدعو الناس إلى الصبر والرضا والزهد في العالم والقناعة بالمقسوم كرد فعل على التكالب على الدنيا. كما يمر الطريق بأحوال كلها حالات نفسية بين الخوف والرجاء، الحزن والفرح، الغيبة والحضور، الصحو والسكر، الفناء والبقاء، تجعل الإنسان بين حالتين وانفعالين متضادين حتى يصل في النهاية إلى فقدان الذات والفناء في الله، أو البقاء به، فينعم بالصحبة الخيرة بدلا من صحبة السوء في الدنيا، ويرضى بعد سخط، ويستسلم بعد مقاومة.
ولكن الآن تغير الظرف. لم يستشهد منا المئات خروجا على الأئمة، ولم تصبح المقاومة بعد أمرا ميئوسا منه، بل إننا في أعلى لحظات المقاومة (خاصة بعد معركة بيروت والغزو الصهيوني للبنان)، وتغيير الأبنية السياسية والاجتماعية ممكن، وبالتالي فقيمنا هي المقاومة، والجهاد، والنزال، والصمود، والتصدي، والتقدم، والشهادة. وأحوالنا هي الكر والفر، المكر والخداع، الإقدام والإحجام، الضرب والاختفاء، وليست مقامات وأحوال الصوفية. غايتنا ليس الفناء بل البقاء، وتكويننا ليس الرضى والاستسلام بل الغضب والثورة. التصوف القديم إذن في حاجة إلى «عود إلى العالم»، ومقاومة لمظاهر الظلم والطغيان فيه. وهو التصوف العملي، «طريق واحد، يخرج من فوهة بندقية».
4 (د) علم أصول الفقه
وهو أقل العلوم التراثية احتواء على معوقات العمل السياسي. وذلك أنه علم عملي يهدف إلى رعاية مصالح الناس، يقوم على الاستدلال العقلي وعلى الاستقراء التجريبي. فليست به عقائد نظرية، بل إن الله هو مجرد الشارع. وليست به قيم سلبية بل يعتمد على الاجتهاد وبذل الوسع والمجهود. وليست به نظرات إشراقية فهو يقوم على التعليل. لا يضر بالناس فمن مبادئه العامة لا ضرر ولا ضرار، الضرورات تبيح المحظورات، لا يجوز تكليف ما لا يطاق، المصالح المرسلة. ومع ذلك فهناك بعض المخاطر على العمل السياسي؛ منها إعطاء الأولوية للنص على المصلحة عند بعض مدارس الرأي. بل إن النسق الاستدلالي القديم كله يبدأ بالكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم القياس، في حين أن عصرنا يحتم البدء بالقياس مباشرة، فالصالح العام يعرفه الجميع وسيكون حتما متفقا مع النص (كما كان يحدث لعمر بن الخطاب). كما أن الحكم بمقاصد الشريعة مباشرة، المحافظة على الضرورات الخمس: الحياة (النفس)، والعقل، والدين، والعرض، والمال، بها يتوجه مباشرة إلى مصالح الناس وإلى ما فيه قوام الحياة الإنسانية. أما الأوامر والنواهي؛ أي الأحكام الشرعية فإنه من الأفضل للعمل السياسي أن تكون نابعة من طبيعة الناس ووجودهم الإنساني بدلا من أن تكون فرضا عليهم فتزيد الفروض فرائض جديدة . فالواجب ما به قوام الحياة، وعكسه الحرام أي ما به فسادها. والمندوب متروك لاختيار الإنسان طبقا لقدراته الفردية أن يفعل الخير تطوعا، وعكسه المكروه ألا يفعل ما قد يفسد الحياة بحريته واختياره. أما الحلال فهو مصاحبة الأشياء، وكأن الشرعية في الطبيعة، في البراءة الأصلية، فالأصل في الأشياء الإباحة. لقد استطاع علم الأصول بتحليله أحكام الوضع الخمسة ربط كل حكم بسبب وعلة، وتعليقه على شرط وإقامته على القدرات الإنسانية (العزيمة والرخصة)، ابتداء من النية (الصحة والبطلان). فليس المهم قطع يد السارق؛ لأن شرط ذلك هو الكفاية، فلا تقطع يد السارق عن جوع أو بطالة أو حرمان أو عداء طبقي وحسد اجتماعي ولا تقطع يد سارق الدرهم وتترك يد ناهب ثروات الشعوب من باطن الأرض ومن فوقها، صاحب البراميل أو إقطاعي الأرض أو رأسمالي المصنع. ولا يرجم زان في مجتمع لا يجد الإنسان فيه زواجا؛ فلا مهر ولا سكن، وكل ما فيه الإثارة الجنسية في الصحف وأجهزة الإعلام، وعهر الحكام في كل مكان وتعرفه الشعوب من حديث الصحف الأجنبية. (3) العلوم العقلية
وهي العلوم الرياضية مثل الحساب، والجبر، والهندسة، والفلك، والموسيقى. والعلوم الطبيعية وهي النبات، والحيوان، والطبيعة، والكيمياء، والطب، والصيدلة. والعلوم الإنسانية وهي اللغة، والأدب، والجغرافيا، والتاريخ. وهي نموذج للعلوم التي أثر فيها التوحيد وكان دافعا على الكشف العقلي والإبداع العلمي. فهناك علاقة بين اللاتناهي وحساب اللامتناهي، وعلاقة أخرى بين التوجه نحو الكواكب والنجوم ونشأة علم الفلك، وبين موسيقى القرآن ونشأة علم الموسيقى، وبين تصور القرآن للنبات والحيوان، وإبرازه للحياة ونشأة علوم النبات والحيوان، وبين الطبيعة والكيمياء، ومقتضيات المجتمع الفاتح وحاجات الحرب في صناعة الأسلحة وعلوم الطب والصيدلة. وقد نشأت علوم اللغة والأدب من تحليل بلاغة القرآن وإعجازه، كما ارتبطت نشأة علوم الجغرافيا والتاريخ بخرائط البلاد المفتوحة، والتعرف على العالم من أجل الاستخلاف عليه، والتفكير في سبب تقدم الأمم وانهيارها.
Неизвестная страница