Западные философские исследования
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Жанры
وزنزندورف
Zinzendorf
لدرجة الخلط بين ما فوق الحس وما فوق الطبيعة. ومما لا شك فيه أن التصوف أعلى من السلفية، ولكنه من الناحية العملية ينتهي إلى النتيجة نفسها، أي هزيمة الإرادة؛ إذ إنه ليس هناك دين حقيقي، إلا إذا تأسس في «نقد العقل العملي».
فإذا ما تخلص الشعور من قهر السلطة الدينية، والسلطة السياسية على السواء، فإن عليه أن يؤكد نفسه في الخارج، وأن يتحرر أيضا من العقبات الاجتماعية؛ وبالتالي تعتمد ممارسات الإرادة على مقدار ما تحققه المؤسسات السياسية من ليبرالية. هناك إذن علاقة بين الجهد الفردي وتكوين المجتمع، بين إرادة الفرد والنظام السياسي ، ولكن كيف يمكن إيجاد صيغة مثلى لهذه العلاقة؟ هنا يطرح كانط سؤال التقدم الذي شغل فلاسفة التنوير. يقول كانط: إن بعضهم يظن أن النوع الإنساني في سقوط لا يمكن تفاديه أو التخلص منه، ويظن بعضهم الآخر أن التقدم حادث ضرورة، يوما بعد يوم، وكأنه قانون طبيعي، لا يمكن أيضا تجاوزه، ويظن فريق ثالث أن النوع الإنساني متوقف في مكانه، وأن كل تغيير له عبث. يرى كانط أن هذه الإجابات الثلاث خادعة، ولا تصدقها التجربة. إنما الإيمان بالتقدم لا ينتج إلا من ظهور شرعي لفكرة الحق (القانون). وقد شهد المجتمع حادثة من هذا النوع هي الثورة الفرنسية. وبالرغم من أن كانط يدين تطرفها، إلا أنها أيقظت في روح الشعوب حماسا خالصا وتفاؤلا بقرب سيادة القانون وسعادة البشر. لا يهم شكل الحكومة، إنما المهم أن تكون الروح جمهورية، ثم تنتشر هذه الروح شيئا فشيئا لدى كل شعوب الأرض، حتى يتم استئصال النزعة العسكرية، ويتم نزع السلاح وإيقاف الحروب، وهي أكبر مانع أمام التقدم الخلقي. لم يكن لدى عصر كانط ما يسمى بحروب التحرير التي بدأت في هذا القرن، والتي هي من أجل إقرار السلام، وإن كان قد لاحظ أن الحرب هي النتيجة الطبيعية للتعصب والقهر والسيطرة. ويهدف كانط إلى أخذ الإنسانية إلى غايتها القصوى ومنتهاها، وهو التنوير الشامل والسلام الدائم. وما تبقى من حروب ستساعد حتما - بعد أن تتوقف نهائيا - على تحقيق غاية الإنسانية هذه. هذا التفاؤل المطلق عند كانط يتفق تماما مع روح التفاؤل التي كانت سائدة في القرن الثامن عشر، والتي ظهرت لدى جميع فلاسفة التاريخ الذين عبروا عن روح الثورة الفرنسية.
فإذا ما حقق الشعور هاتين الغايتين؛ حرية الفكر، والإرادة المستقلة من أجل تقدم البشرية، تأتي مشكلة البدن التي يعالجها الطبيب، وينشأ الصراع الثالث بين كلية الفلسفة وكلية الطب؛ الأولى تعطي الإرادة والعزيمة الأولوية على أمراض البدن، والثانية تريد أن تجعل «العقل السليم في الجسم السليم». لا يشارك كانط نوفاليس رأيه أن الجسد كله تقوده الروح طبقا للإرادة؛ فكانط لا يترك أرض الواقع ليحلم مع الرومانسيين، ولكن الإرادة لديه يمكن أن يكون لها دور محمود على الصحة البدنية. إن دور الإرادة في الصحة دور وقائي خالص. ويتمثل هذا الدور في نظام التغذية الذي يعتبره كانط قريبا من المبدأ الرواقي. فالبطنة هي التحدي الحقيقي للإرادة. ويرى كانط أن الزواج لا يطيل العمر، فيعاديه، وطبق ذلك على نفسه، فعاش عزبا. ويعطينا في آخر الكتاب معلومات عن صحته ونظام التغذية الذي فرضه على نفسه ويعتذر عن عرض آرائه الخاصة والحديث عن نفسه، ولكن المهم هو صدقه في التعبير عن آرائه القائمة على تجارب شخصية. ويسخر كانط من أعداء الفكر الحي، خاصة اللاهوتيين وآباء الكنيسة، ويؤكد إخلاصه للعقل ضد كل انفعال، فكل ما سوى العقل يستحق الإنسان اللوم عليه.
وقد استمر تلاميذ كانط في محاولة أستاذهم بالرغم من الهجوم عليه، وعلى تلك الثنائية التي تعتصر فلسفته وهذا الصراع بين الأطراف والتناقض أو التقابل بينها، كما هو واضح من العنوان «صراع الكليات». لقد حاولت الرومانسية التي وقع فيها التلاميذ تجاوز الثنائية إلى الوحدة، فابتلعت الذات الموضوع عند فشته، وابتلع الموضوع الذات عند شلنج. وقد عالج كل منهما من خلال مذهبه الفلسفي مشكلة التعليم، فكتب فشته «رسالة العلم»، كما كتب شلنج «دروس في منهج الدراسات الأكاديمية»، ولكن الحلول التي أتوا بها كانت وقتية لعلاج بعض الموضوعات الزمنية، ولكن الدرس المستفاد من الأستاذ هو أن الجامعة ليست مجرد مكان لتجميع العلوم دون أي علاقة بينها، بل يجب أن تتجه كلها نحو غاية واحدة هي الحقيقة. يجب أن يسود الجامعة النشاط العقلي الحر دون أي عقبات من التقاليد أو الأعراف. ولا يجب أن ننسى روح المذهب، تلك البؤرة التي يشع منها نور العلم. ليس البحث عن الحقيقة وظيفة كلية الفلسفة وحدها كما يقول الأستاذ، بل إنها رسالة الجامعة كلها كما يقول التلاميذ.
2
يهدي كانط كتابه إلى أحد الأساتذة في جامعة جوتنجن، ولكنه في الحقيقة يوجه كلامه إلى الحكومة المستنيرة التي تخلص العقل الإنساني من قيوده، والتي تدفع كانط إلى التفكير بحرية تامة. ويتضح من كلام كانط أنه يسخر ولا يتملق، ويستعمل المدح أسلوبا للذم، فيصف الملك فردريك وليم الثاني بأنه حاكم شجاع شريف صديق للبشر، ويجد له العذر في سن تلك القوانين ضد الحريات، وأنه إنما فعل ذلك نتيجة نصيحة رجل دين. هذه القوانين هي التي كانت السبب في منع كتاب كانط الأول «الدين في حدود العقل البسيط». ويذكر كانط أجزاء من خطاب الملك له، يتهمه فيه بسوء استعمال الفلسفة لتشويه العقائد الدينية الأساسية في الكتب المقدسة، والنيل منها، وكما سبق له ذلك في «الدين في حدود العقل البسيط»، ويحذره من العودة إلى ذلك، ويرجوه الانتباه إلى تربية الشباب، وأن يكون معبرا بإخلاص وصدق عن مقاصد الحاكم، ويهدده بالعقاب، ويحذره من الوقوع في المستقبل في مثل هذه الأخطاء، ويرد كانط على خطاب الملك، وينشر رده مع الخطاب في مقدمة الكتاب، ويمدحه بأنه شجاع شريف، محب للبشرية، وأن كانط يضع تحت أقدامه برهان خضوعه المتواضع، ويدافع عن نفسه. هل خاف كانط، أم أنه كان يتملق، أم أنه مثل ديكارت كان خبيثا يستعمل المدح في معرض الذم، ويريد لدعوته أن تنجح أفضل من أن يفشل ويموت شهيدا؟ يرد كانط على الاتهام الأول أنه باعتباره أستاذا للشباب، فإنه لم يخلط في دروسه بين حقائق المسيحية وحقائق الفلسفة، والدليل على ذلك اعتماده على ملخصات باومجارتن التي ليس فيها مادة من الكتاب المقدس، أو العقائد المسيحية، بل مجرد مادة فلسفية خالصة. وباعتبار كانط مربيا للشباب فإنه لم يورد في كتابه «الدين في حدود العقل البسيط» ما ينال من دين البلاد، بل إنه كتاب غير مفهوم للعامة، مجرد مناقشات أكاديمية غامضة، تخص المؤسسات التعليمية والتي تحرم الدولة نشرها وذيوعها إلى العامة. ليس في الكتاب مدح أو ذم للمسيحية يرفع من شأنها ولا يقلل منها، بل مجرد بيان للدين الطبيعي والاستشهاد بالنصوص الدينية للبرهنة على بعض العقائد العقلية. ولا ضير أن يتفق العقل مع الوحي، وأن يعطى الإيمان صفات الشمول والوحدة والضرورة. إن جوهر الدين هو العمل الخلقي، ما يجب أن يكون في مقابل الوحي الذي يعتمد على التاريخ، ليصبح الإيمان في هذه الحالة حادثا عرضيا، زائدا وزائفا. مهمة الوحي مهمة خلقية خالصة، والعمل النظري العقلي يكمل بالعمل الخلقي، خاصة فيما يتعلق بتحويل الشر في الإنسان إلى خير، وتجاوز الخطيئة بالخلاص، واعتقاد الإنسان بضرورة الحياة الخيرة. ويؤكد كانط احترامه الإيمان وعقائد الكتب المقدسة والمسيحية ويثني على الكتاب المقدس باعتباره أفضل دليل مرشد للمحافظة على الدين الوطني القادر على تربية النفوس، وأنه لمن العار توجيه أي اعتراضات أو إثارة أي شكوك حول العقائد النظرية أو الأسرار الإلهية التي ينص عليها الكتاب، سواء في المدارس أم المؤلفات، وإن كان يسمح بذلك في الكليات وحدها. إن أكبر ثناء على الكتاب المقدس هو اتفاقه مع الإيمان الخلقي والعقلي. وعلى هذا النحو يمكن إعادة تأسيس المسيحية، وليس على التعالم الديني الذي يدل على تزييف المسيحية. ويرجع كانط في النهاية الموضوع كله إلى ضميره، أمام قاضي العالم الذي يعلم ضمائر البشر، وهو في هذه السن المتقدمة، واحدا وسبعين عاما.
أما بالنسبة للموضوع الثاني، وهو التزام كانط - كما يطلب الملك - بعدم العودة إلى مثل هذه الكتابات، فإن كانط يستسلم في الظاهر مؤكدا أنه أكثر الرعايا إخلاصا لسمو الملك، وأنه سيتوقف عن أي عرض للدين الطبيعي أو لدين الوحي للجماهير، في دروسه أو في كتاباته، على عكس عادة فلسفة التنوير في فرنسا التي تحولت إلى ثقافة شعبية جماهيرية، فجندت الجماهير حتى انطلقت الثورة. وبالرغم من أن كانط على يقين من العواقب الوخيمة الناشئة عن إبعاد الإيمان عن العقل، إلا أنه يعد بفعل ذلك. ويبين إحدى هذه العواقب، وهي هروب التلاميذ إلى كلية الحقوق، هربا من لجنة الإيمان التي تفحص إيمان الطلاب، وتفتش في ضمائرهم عند التحاقهم بكلية اللاهوت، بالرغم من أنهم لم يدركوا مدى النفع في كلية الحقوق إلا فيما بعد. أما الذين يقبلون في كلية اللاهوت، فإنه يجب عليهم التوبة أولا أو طلبها. ويدعو كانط إلى توقف أعمال مثل هذه اللجنة تحقيقا للصالح العام، وللخير الاجتماعي، ولصالح العلم الذي أقيمت لأجله المدارس والمعاهد والجامعات. وينهي كانط خطابه للملك بالتأكيد على ثقته بحكمة الحكومة، وعلى رأسها مثل هذا الحاكم المستنير الذي يريد تقدم العلوم كلها، وليس اللاهوت وحده، ويبغي تقدم الحضارة ضد كل مظاهر التعتيم والتعمية.
3
Неизвестная страница