وأخبرنا عبد الناصر بأنه قرأ ملفاتنا بجدية واهتمام، ودعانا إلى قصر الطاهرة لأخذ الصور التذكارية معه.
وعاد ممثلو الطلاب إلى باريس باستثنائي أنا؛ فقد كنت ناقشت رسالتي الدكتوراه قبل ذلك بشهرين.
وعدت بحقيبة ملابسي، وتركت مكتبتي في الغرفة، وسلمت مفتاحها إلى السفارة، وحادثت وزير التعليم العالي في الإسكندرية ذلك الوقت قائلا له: «تركت مكتبتي في باريس، فكيف أنقلها إلى مصر؟» فقال لي: «اطلب ذلك من عبد الناصر.» ففعلت مثلما قيل لي. فوافق عبد الناصر على نقلها من باريس إلى القاهرة على نفقة الدولة، وأرسل ما يفيد إلى السفارة بذلك؛ فكلف السفير شركة شحن لنقل مكتبتي، ووضعت الكتب في ثلاثة صناديق خشبية استلمتها في ميناء الإسكندرية، وبعد أن فتح موظف الجمارك صندوقا واحدا ووجد كتبا أغلق الصندوق ولم يطلب عليه جمركا؛ على الكتب بدعوى أنها لا تستحق الجمارك عليها.
كان والدي وأخي في انتظاري بالميناء، فشحنا صناديق الكتب بعربة نقل إلى منزلي بالقاهرة والذي كنت أشاركه مع والدي السكن به بالعباسية. وقمت وزوج شقيقتي الكبرى بتركيب رفوف خشبية، ودهنها، ووضع الكتب عليها. امتلأت حوائط الغرفة بالرفوف والكتب، وبها سرير ومكتب حتى لحظة الزواج بعد أربع سنوات، نقلتها إلى شقة الزوجية بميدان الحجاز بمصر الجديدة، ثم نقلتها بعد ربع قرن إلى بيتي العربي والذي شيدته على الطراز الأندلسي بمدينة نصر. وخصصت لها مساحة البدروم بالكامل مع جزء من الطابق الأول، صممت دواليب خاصة لها رفوف وأبواب زجاجية، ومن أسفل رفوف ودواليب من خشب لحفظ الكتب بها.
بلغ عددهم ستين دولابا، وبصعوبة صنفت كتبي فيها: الأجنبية الواردة من الخارج، والعربية التي اشتريتها من مصر، غرفة كاملة لنسخ مؤلفاتي، وأخرى لمجلاتي العلمية، وكان مكتبي في البدروم ليس له سقف؛ لأنه مفتوح على حجرة كبيرة على الطابق الذي يليه، بينهما سلم خشبي، ووسطهما فانوس عربي كبير مدلى من السقف، يكاد يلامس الأرض.
وتم إدخال المكتبة بالكامل على جهاز «الحاسب الآلي» في ستة أقسام؛ الأول: الفلسفة الغربية بمراحلها المختلفة: اليونانية، الرومانية، والمسيحية، واليهودية، والإصلاح الديني، وعصر النهضة. ثم العصر الحديث: السابع عشر، والثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرين. وقد أخذ القرن التاسع عشر أكبر مساحة.
والقسم الثاني: الفلسفة الإسلامية ابتداء من علم الكلام، والتصوف، وعلم أصول الفقه، ثم الفكر العربي الإسلامي المعاصر والذي ضم أربعة دواليب عن مصر والوطن العربي والعالم الإسلامي . وقد أخذت إيران أوسع المساحات.
والقسم الثالث: فلسفة الدين ، عن الفلسفة المسيحية واليهودية والشرقية، والاستشراق، والفلسفة العامة، وعلم النفس، وفلسفة العلوم، وعلم الاجتماع، وعلم الجمال.
والقسم الرابع: العلوم السياسية والاقتصادية، ابتداء من النظريات العامة ثم مصر والوطن العربي والعالم الثالث؛ أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، والولايات المتحدة الأمريكية. ثم علم التاريخ والجغرافيا، ثم خطب القادة العرب، ثم قسم عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
والقسم الخامس: النقد الأدبي، الشعر، والرواية، والقصة، والمسرح.
Неизвестная страница