11
ومن عظامهم أيضا.
ثم إن لبنان بعد ذلك الطور مثل سائر البلدان يغشى تأريخه القديم (نريد تاريخ نشأة الطوائف التي عمرته إلى الزمن الذي سقطت فيه صيدا؛ وهو منتصف القرن الثالث عشر) ظلمة كثيفة لا نستطيع أن نستشف من ورائها شيئا من الحقيقة إلا أن نستعين بما ورد في التوراة، وما بقي لدينا من أقوال سنكن يتن المؤرخ الفينيقي البيروتي وفيلون الجبيلي، وبما ذاع من الخرافات والتقاليد، وإن كانت في حد نفسها لا يصح الاستناد إليها بوجه من الوجوه، ولكنها كثيرا ما يستدل بها الناظر المحقق على أمر من الأمور يصح درجه في جملة الحقائق التاريخية. وسنكن يتن هو في رأي غالب العلماء بيروتي، وذهب بعضهم إلى أنه من صيدا، وآخرون إلى أنه من صور.
أما عصره فقال البعض إنه كان في القرن العشرين ق.م، وقال آخرون إنه كان معاصرا لموسى النبي، وآخرون لجدعون، وآخرون لحيرام ملك صور، وبعضهم زعم أنه كان في أيام تداعت العبادات الوثنية إلى الاضمحلال، وكيفما كان هذا الرجل فإنه لا ينكر أنه كشف بعض أمور من التأريخ القديم يمكن الاستناد إليها في استطلاع كثير من الحقائق.
أما التوراة، فقد ذكر فيها لبنان في عدة مواضع يظهر منها أنه كان داخلا في بقعة أرض نسل إبراهيم أي أرض الميعاد؛ فقد جاء في الفصل الخامس عشر من سفر التكوين في العدد (18 و19 و20 و21): «لنسلك (نسل إبراهيم) أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات، وسأمكنكم من القينيين والقنزيين والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين.»
12
وجاء في سفر العدد في الفصل الرابع والثلاثين منه (عدد 3-12) يبتدي لكم الحد الجنوبي من برية صين على جانب أدوم (وهو جبل سعير الذي يمتد إلى الشرق والجنوب من البحر الميت، وقد انتقل إليه عيسو بعد افتراقه عن أخيه يعقوب بسبب ضيق الأرض على مواشيهما كما يتبين من الفصل الخامس والثلاثين من سفر التكوين، وقال بعضهم إن عيسو سمي أدوم؛ نسبة إلى احتلاله في هذه البلاد التي كانت تسمى أدوم قبله على ما يظهر من بعض الآثار.
وقد ورد في التوراة في الإصحاح الخامس والعشرين من سفر التكوين عدد 29 و30: «وطبخ يعقوب طبيخا، فأتى عيسو من الجبل وهو قد أعيا، فقال عيسو ليعقوب: أطعمني من هذا الأحمر؛ لأنني قد أعييت.» لذلك دعي اسمه آدوم
13
بمعنى الاحمرار) فيكون من طرف بحر الملح شرقا، ثم يستدير لكم من جنوب عقبة العقارب ويمر إلى صن (وهي واقعة بحسب ما رأته اللجنة الإنكليزية العلمية التي أرسلت لبرية سينا تحت رئاسة العالم هنري بلمر سنة 1868 في عين قادش في جبل معرة) وينفذ من الجنوب إلى قادش برنيع، ثم ينفذ إلى حصرادار، ويمر إلى عصمون، ثم يستدير الحد من عصمون إلى نهر مصر نافذا إلى البحر، وأما الحد الغربي فيكون لكم البحر الكبير تخما. هذا يكون لكم تخم الغرب، وهذا يكون لكم التخم الشمالي، تخطون لكم من البحر الكبير إلى جبل هور، ومن جبل هور تخطون إلى مدخل حماة، ويكون منفذ الحد إلى صدد (وهي قريبة من حمص في بادية تدمر)، ثم ينفذ إلى زفرون (وهي في برية حمص) وينتهي إلى حصر عينان، هذا يكون حدكم الشمالي، وتخطون لكم التخم الشرقي من حصر عينان إلى شافام، ثم يهبط من شافام إلى ربلة شرقي العين، وينحدر ويماس جانب بحر كنارة شرقا، ويهبط إلى الأردن، وينفذ إلى بحر الملح. وجاء أيضا في سفر تثنية الاشتراع في العددين السابع والثامن من الفصل الأول منه ما يثبت دخول لبنان في بقعة أرض الميعاد؛ حيث قال: «فتحولوا وارتحلوا وادخلوا جبل الأموريين وكل ما يليه من القفر والجبل والسهل والجنوب وساحل البحر أرض الكنعانيين ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات، انظروا إني قد جعلت الأرض بين أيديكم فادخلوا واملكوا الأرض التي أقسم الرب لآبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيها لهم ولنسلهم من بعدهم والأموريين .»
Неизвестная страница