جر منه الشيخ بشير جانبلاط قناة إلى داره بقرية المختارة سنة 1222ه.
وعندما يبلغ هذا النهر السهل المعروف بسهل بصرى يلتقي بالنهر الآتي من جزين، فيكون منهما نهر واحد توزع مياهه بالقرب من صيدا لسقي بساتينها، وله غربي تلك القناة جسر، وهو يجري إلى الجنوب الغربي، ثم يرتد إلى الغرب ويصب في بحر الروم بالقرب من صيدا، وطول مجراه ثلاثون ميلا.
نهر الليطاني
ليطاني كلمة سريانية معناها الملعون والحرام، وهو معروف بهذا الاسم في جميع مجراه في سهل البقاع وجنوبي لبنان، ولا يسمى بالقاسمية إلا عند مصبه، وتسميته هذه حديثة العهد دالة على معنى الفصل بين إيالة عكة وصيدا، وأما اليونان والرومان فسموه لاونتوس. وهذا النهر يخرج من المنحدر الشرقي للبنان من ينبوع العليق لا من عين الشمس فوق مدينة بعلبك كما يزعم البعض من الناس؛ لأن مياه هذه العين تنصب فيما جاورها من الحقول، ولا ينفذ منها شيء إلى الليطاني، ولكن ينضم إليه في السهل عدة أمواه منها أمواه نهر البرذوني وغيرها من جهة الشرق أيضا، ومتى اجتاز هذا النهر سهل البقاع نفذ من شعاب لبنان وجبل الشيخ مارا تحت قلعة الشقيف ويصب في بحر الروم بين صور وصيدا، أما نهر البرذوني فمخرجه قرية قاع الريم من أعمال قضا المتن يسقي بساتين زحلة والمعلقة وضواحيهما، ويدير عددا كبيرا من أرحاء المطاحن، وعلى ضفتيه بزحلة عدة فنادق وحدائق غناء يقصدها طلاب التنزه من أبناء البلدة والغرباء من كل صوب؛ لما بها من ترويح النفس وتعليل الخاطر بكل منظر بهيج، وقد بنى له نعوم باشا في سنة 1897 قنطرة متقنة الوضع متينة. (9) أقسام لبنان
إننا لو أردنا أن نقسم لبنان بحسبما كان مصطلحا على قسمته في القرون القديمة والقرون المتوسطة للزمنا أن نوسع في نطاقه كثيرا؛ لأن لبنان في تلك القرون كان يمتد إلى جبل الصلت وإلى جبل الكرمل، كما أثبتنا ذلك في فصل حدود لبنان. وهب أننا طرقنا في ذلك باب التوسع؛ فإنه يتعذر علينا إثبات وجه الصحة فيه لما هو معروف من أن تلك البقعة التي كان يطلق عليها اسم لبنان كانت تشتمل على عدة ممالك غير مستقرة على حال واحد؛ لأن الآشوريين واليونان والرومان بدلوا كثيرا في هيئة التقسيم لتلك البقعة عندما ضربوا سلطتهم عليها، وبناء على هذا وعلى أن غرضنا مستوعب في أقل مما تقدم ذكره، فإننا نلتزم في تقسيم لبنان الحالة الإدارية الحاضرة غير أننا قبل أن نضيق علينا مجال البحث بالتزام الحدود الواردة في تقسيمه الإداري رأينا من الواجب أن نستوفي الكلام عن أحواله أيام كان متسع النطاق فسيح الأرجاء لنعلم شيئا من أمر من عمره من أبناء الخلق في القرون الخوالي، وما ناله من حوادثهم في تلك القرون، وإلا لما تيسر لنا بعد تقيدنا بتلك القسمة الإدارية أن نتناول شيئا من تأريخه القديم إلا ما كان متعلقا بمدينة جبيل والبترون وغيرهما من بعض الأماكن مما لا تستوفى بذكره بغيتنا من تفصيل الأحوال. ومن أجل هذا قد أفردنا لهذا البحث المقالة الآتية: (10) مقالة في تاريخ لبنان القديم
يسرنا أن نرى العقول السامية من عقول بني الإنسان سالكة سبيل الارتقاء في المعارف مستطلعة من أسرار الخلق ما لا ينكر نفعه في معرفة الإنسان نفسه في كل طور من أطوار وجوده على وجه البسيطة من يوم أن كان ساذجا فطريا حتى اليوم، فلولا تلك المعرفة لما تيسر له إصلاح المختل من أمره، واستكمال الناقص من شئونه؛ فمستقبله مقيس على ماضيه.
ومن ذلك الارتقاء الارتقاء في علم طبقات الأرض وما انطوى فيها من أسرار التكوين ومن آثار الآدميين الأول الذين كانت معايشهم من الصيد ومآويهم المغاور.
فقد كان للبنان ومغاوره وكهوفه حظ من سكنى تلك القبائل الفطرية التي أبقت لنا من آثارها ما هو ناطق بجهلها استخدام المعادن لقضاء حاجاتها في معايشها، واقتصارها على قطع من الظران والصوان المنحوت وما خرشبته أيديها من عظام وخزف في الاستعانة على قضاء تلك الحاجات، وأبقت من عظامها وعظام مأكولاتها ما يدلنا على طريقة معاشها.
فذلك الطور هو الطور الحجري، أو طور الظران، وقد بحث في ما كان منه بلبنان بعض السياح من علماء طبقات الأرض بحثا كشفوا به شيئا من أسراره، وبقيت أسرار كثيرة غير مكشوفة، إما لامحاء الآثار الدالة عليها، وإما لما هو معلوم من جهل الباحثين لمواقع تلك الآثار؛ لأنهم غرباء «والغريب أعمى ولو كان بصيرا.» ومما يزيد هذا البحث صعوبة هو أن كثيرين ممن يعرفون تلك المواقع، أو يحسبون أنهم يعرفونها لا يدلون عليها طمعا في كنوز المال لا كنوز العلم، أو أنهم قلبوا رسومها وبددوا أرومها في سبيل البحث عن تلك الكنوز.
وبالجملة، فإنه يتبين مما وصلوا إليه من البحث الجيولوجي في مغاور عدلون بين صور وصيدا، وفي ناحية عقبيه وهو جدول ينصب في البحر المتوسط في شمالي شرقي عين القنيطرة وفي مغاور نهر إبراهيم وفي كهف عند نهر الجوز، وفي مغاور وادي أنطلياس، وفي الضفة اليسرى من نهر بيروت على مقربة من الجسر الحالي، وفي ضواحي طرابلس وفي مغاور جعيتة، وفي مغارة حراجل ما بين ميروبا وفاريا، وفي الرأس المجاور لمصب نهر الكلب، وفي رأس بيروت، وفي ناحية نهر الزهراني على بعد ساعة من صيدا، وفي ناحية المعاملتين أن سكان لبنان قبل طور المدنية تركوا لنا آثارا مستحجرة من شفار للقطع ومخارز ومقاشط ومجارف وغير ذلك من صوان ومن أدوات من الخزف صقيلا، أو غير صقيل ومن عظام الحيوانات مما كانوا يصيدون أكلا لهم
Неизвестная страница