أما من جهة الموضوع، فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كلِّ حكمة ومعدن كلِّ فضيلة، فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، لا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه.
وأما من جهة الغرض، فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى.
وأما من جهة شدة الحاجة إليه، فلأن كلِّ كمال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى" (١).
وهذه الجوانب الثلاثة التي ذكرها الأصفهاني تجلي لنا أهمية موضوع تفسير كلام الله ﷿ وبها يكتسب الأشرفية في مباحثه.
أما سبب اختياري لهذا الموضوع فإنه يرجع إلى عدة أسباب يمكن حصرها بما يلي:
أولًا: أنه يمثِّل أشرف العلوم وأحبَّها إلى الله ﷿، وأعظم ما يتقرب به العبد إلى الله ﷿ بحثًا وتحقيقًا ودراسة فخدمة كتاب الله هو خير وأعظم ما اشتغل به الباحثون.
ثانيًا: شموليته لكثير من الفوائد والشرائد في مختلف المعارف والفنون فهو يضفي معارف مختلفة تجعل القارئ يتنقل من فنَّ إلى فن، فتارة يطرب سمعه بقراءة النكت البلاغية وتارة يتفكه بالمسائل النحوية، وتارة أخرى يقلب ناظريه بالفوائد المعجمية اللغوية، وتارة أخرى يتذوق الأخبار التاريخية للأمم السابقة، إلى غير ذلك من ألوان المعارف المختلفة، فالقارىء يسوح ويجول في جنان هذه المعارف.
ثالثًا: دقة صناعة المؤلف في كتابه ومباحثه التي استعرضها نحويًا وبلاغيًا ولغويًا وغير ذلك فكان دقيقًا في عباراته، متثبِّتًا في نقولاته، حياديًا
_________
(١) نقله عن الأصفهاني السيوطي في الإتقان (٢/ ٤٠٦).
1 / 8