ومنهم عطاء بن أبي رباح شيخ الإسلام مفتي الحرم، أكثر الرواية في التفسير عن ابن عباس ﵄ وعن أم المؤمنين عائشة وأم سلمة وعن أبي هريرة وعن جمع من الصحابة يصلون إلى المائتي نفس كما صرح عطاء بنفسه (١).
ومنهم أيضًا عكرمة مولى ابن عباس كان حافظًا مفسِّرًا، أكثر الرواية عن ابن عباس ﵄ حتى قال عنه: ما حدَّثكم عني عكرمة فصدِّقوه، وقال قتادة: أعلم الناس بالتفسير عكرمة، بل إن حفاظ ابن عباس منهم سعيد بن جبير وعطاء وطاووس اجتمعوا فأقعدوا عكرمة أمامهم فجعلوا يسألونه عن حديث ابن عباس، فكلما حدَّثهم حديثًا قال سعيد: هكذا. وهم يصدِّقونه في كل ما يقول.
وهكذا كان باقي أعلام المفسِّرين من التابعين الذين شهدت لهم الأمة بالقبول والذين خدموا كتاب الله ﷿ فكرسوا جهودهم وروَّضوا نفوسهم وبذلوا كلَّ ما بوسعهم في تحمُّل هذه الأمانة، فهؤلاء جميعًا وضعوا ما يسمى بـ "علم التفسير" و"علم أسباب النزول" و"علم الناسخ والمنسوخ" و"علم غريب القرآن" ونحو ذلك.
ثم إن أسلافنا ﵏ من الرعيل الأول من قبل أن يرسي التدوين أصوله وقواعده كانوا حريصين أشد الحرص على ضبط كتاب الله وحفظه ليس في القلوب فحسب، بل تدوينه في الصحف، فقد تصدَّى عثمان بن عفان ﵁ فوضع الأساس لما نسميه بـ "علم رسم القرآن" أو "علم الرسم العثماني" ثم جاء من بعده علي بن أبي طالب ﵁ فلاحظ المعجمة تحيف على اللغة العربية وسمع ما أوجس منه خيفةً على لسان بعض العرب فأمر أبا الأسود الدؤلي أن يضع بعض القواعد لحماية لغة القرآن من هذا العبث والخلل.
وبهذه الحوادث التي وقعت تمخض منها ما يمكن أن نسميه بـ "عصر
_________
(١) السير (٥/ ٧٨)، ابن سعد (٥/ ٤٦٧)، تاريخ البخاري (٦/ ٤٦٣).
1 / 19