كانت بياتريس ابنة فرنشسكو سنسي، وكان فرنشسكو من عتاة زمانه ، وإن صح قولهم: إن الرجال مرآة العصور، ففرنشسكو سنسي مرآة عصره: عصر الجبابرة الطغاة. ونرى قبل أن نلي ذكر الحوادث الفظيعة التي تمت في آل سنسي أن نذكر طرفا من تاريخ ذلك العصر، فنقول:
مات البابا إينوسان الثامن في الحادي عشر من أغسطس سنة 1492، وطال احتضاره أياما ارتكبت في خلالها بطرقات روما مائتان وعشرون جريمة قتل. ورقي العرش البابوي بعده رودريك لنزولي بوريا ابن أخت البابا كالست الثالث، فدعي إسكندر السادس، وكان له قبل ارتقائه العرش أربع بنين وبنت خلفتهم له محظيته روزا فانوتزا، فكافأها بتزويجها بفتى من أغنياء روما.
وإنه ليخجلنا أن نذكر هنا طرفا من تاريخ آل بوريا، وقد كان منهم خليفة من خلفاء الكاثوليكية؛ لما كان لهذه العائلة من الآثام والفظائع التي تقشعر منها الأبدان وينفر منها المجرمون، ولكن سجلها عليهم التاريخ وسطرها مؤلفو الإفرنج، فنحن نرويها كما رواها المؤرخون من قبلنا، ولا ننوي حطا من مقام الخلافة البابوية؛ فعرشها محفوظ الكرامة لا يدنسه اتصال القائم عليه بأسرة مجرمة، ولا يؤاخذ مؤرخ يسطر الحقيقة بسوء القصد، وما التاريخ إلا عبرة ولا تكون العبرة إلا في كبائر الأمور.
نعود إلى حديثنا فنقول: كان أبناء إسكندر السادس خمسة، وهم: فرنسيس، ولقب فيما بعد بدوق غنديا.
وقيصر، وكان أسقفا وكردينالا، ثم لقب بدوق فالنتينوا.
ولوكريس، وكانت خليلة أبيها وأخويها السالف ذكرهما. وقد تزوجت أربع مرات؛ الأولى: بحنا سفورزا صاحب بيزارو، وتركته لأنه عنين. والثانية: بألفونس دوق بيزيليا، وقد قتله أخوها قيصر. والثالثة: بألفونس دراغون، وقد طعن على درج كنيسة مار بطرس، ثم خنق بعد ذلك بثلاثة أسابيع؛ لأن احتضاره قد طال فعجلوا عليه الموت.
وابن إسكندر الرابع كان جفري الملقب كونت إسكيلاس، وليس له تاريخ مشهور.
والخامس لم يعلم المؤرخون عنه شيئا على الإطلاق.
وكان أشهر أولاد إسكندر قيصر بوريا؛ إذ كان من مطامعه أن يتولى ملك إيتاليا بعد موت أبيه، فاستعد لذلك استعدادا لا يشعر إلا بنجاح المسعى، واتخذ من التدابير ما لا يفسده إلا الله، وقد شاء الله أن يفسد ما دبره، فأتاه من حيث لا يحتسب ولا يدري، كما سيرى القراء.
وكان من عادة الباباوات أن ترث من يموت من الكرادلة، فأراد إسكندر السادس أن تئول إليه ثروة كردينال غني جدا من كرادلته يدعى أوريان، كما آلت إليه ثروة ثلاث من الكرادلة قبله، فدعاه إلى كرم له يدعى كرم بلفيدير، وأرسل لهما قيصر بوريا قنينتين من النبيذ المسموم مع رئيس السقاة، ولم يعلمه بما فيها، إنما أوصاه أن لا يستعملهما إلا متى أمره، وأراد الله أن ينصرف رئيس السقاة إلى بعض شئونه والموائد منصوبة والمدعوون حولها، فقام مقامه أحد الخدم ولا يدري ما خبئ في القناني، ففضها مثل أخواتها، وسكب منها للشاربين، فشرب البابا وقيصر بوريا والكردينال كورنيتو ولم يشرب الكردينال المقصود فلم يصب بسوء. ومات إسكندر السادس بعد بضع ساعات، ولازم قيصر الفراش لا يستطيع عنه براحا وقد تغير لون جلده، أما كورنيتو ففقد البصر والحواس، ولبث بين حي وميت حتى قضي عليه.
Неизвестная страница