ولا شك لأنه وإن سلمنا أن النظر السطحي كاف في الإيمان لكن التحقق من هذه الأشياء على الطرق العلمية مما يورث كمال اليقين .
إن اعتقاد الناظر في هذه العلوم والعالم ببعض تفاصيلها هو الاعتقاد الكامل الذي يعد النفس إلى الاقتراب من موجد العوالم ، وفرق كبير بين الأثر الذي يحصل في نفسك إذا سمعت أن فلانا شجاع كريم على سبيل الإجمال وبين الأثر الذي يحصل عندك إذا شاهدت جزئيات وقائعه في الحروب ونظرت إلى ما يصدر عنه من الإحسان .نعم نعم بين الإجمال والتفصيل فرق ما بين الشهود والتقليد .
الوجدان الذي يحصل من الاستكمال العلمي والنضر في الموجودات ومعرفة أنواعها ونظامها وترتيبها إلخ يرفع الإنسان إلى حد يكاد يجعله سلطان العوالم ( ولا شك أن العلم نوع من الاستيلاء على المعلوم ) ويريه كأنه يشرف عليها من كوة عالية فوقها ويخيل له معنى السعادة ، والغنى التام ، والكمال المطلق الرباني المتجلي في مخلوقاته .
ولئن امتاز الإنسان باتقان الفعل وحسن الآثار وتحصيل المصالح والابتعاد من المضار فلا جرم أن ذلك لا يكون إلا بالاستكمال في العلوم الكونية والنظر في خصائصها وأسرارها فكيف لا ننظر فيها على قدر الطاقة(1) .
( الاتقان ) : وقد احتوى ( آي القران ) على علوم أخرى من علوم الأوائل مثل الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة إلخ
ثم زاد على طب الأجساد بطب القلوب وشفاء الصدور . وأما الهيئة ففي تضاعيف سورة من الآيات التي ذكر فيها ملكوت السماوات والأرض وما بث في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات وأما الهندسة ففي قوله تعالى: { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب } ( المرسلات / 30) (2) .
(1) العلم والعلماء ببعض تصرف واختصار .
Страница 65