أما أساس النهوض لهذه البلاد عنده فهو خلاصها من سلطان الأجنبي، وخلاصها من الحكم الاستبدادي، ثم تلائمها بنوع من الوحدة يقوي التناصر بينها، ويكفل لها الغلب.
وإن استيفاء النظر في تاريخ السيد جمال الدين هو - كما يقول الأستاذ براون - إحاطة بتاريخ المسألة الشرقية كلها في الأزمان الحديثة، يدخل في ذلك تاريخ الأفغان والهند، ويدخل فيها - بوجه أخص - تاريخ تركيا ومصر وإيران، وفي هذه البلاد الثلاثة الأخيرة لا يزال تأثيره حيا.
وإذا كان قبر السيد جمال الدين الأفغاني ظل في الأستانة مهدما مهجورا حتى جاءه في العام الماضي مستر كرين الأميركي فشيده وأظهره، فبحسب السيد أن مبادئه بعد مماته وموت الطغيان في الأستانة قامت حية مشرقة على أطلاله.
حسب جمال الدين من عظمة ومجد؛ أنه في تاريخ الشرق الحديث أول داع إلى الحرية، وأول شهيد في سبيل الحرية.
الشيخ محمد عبده
في محلة نصر، إحدى قرى مركز شبراخيت بمديرية البحيرة، ولد الشيخ محمد عبده من أب اسمه عبده خير الدين، كان ممن رزقوا بسطة في جسومهم وقوة، ومرنوا على الرماية والفروسية، وما إليها، فكسبوا من الهيبة بقوتهم وبطشهم فوق ما كان لهم من عز ومال.
أما أمه فالسيدة جتينة أيم ذات ولد، من حصة شيشير، من مركز السنطة بمديرية الغربية، تزوجها أبوه في هجرته مطاردا من بعض الحكام.
وحفظ الشيخ محمد عبده القرآن في بلده، ثم ذهب إلى طنطا فجوده في الجامع الأحمدي، وصد عن طلب العلم، فعاد إلى بلده ليشتغل بالزراعة، وتزوج يومئذ - على حداثة سنه.
وكان في خئولة أبيه رجل متصوف يدعى الشيخ درويش خضر كفكف من جماح الشباب، فجعله متصوفا، ورده إلى طلب العلم في طنطا.
ورحل بعد ذلك الشيخ محمد عبده إلى الأزهر، فحضر دروس كبار العلماء في مختلف العلوم الأزهرية مع الاشتغال بالتصوف، وجاء إلى مصر السيد جمال الدين الأفغاني فحضر دروسه ولازمه، وظهرت في وقت قصير آثار انتفاعه بعشرته ومعارفه، فألف في التصوف «رسالة الواردات»، ثم ألف حاشية على شرح التصوواني على العقائد العضدية «في التوحيد»، وأخذ يكتب فصولا في الجرائد استرعت إليه الأنظار.
Неизвестная страница