الاعتقاد بمحمد أحمد أخذ سبيلا في قلوب الهنديين حتى كتب إلينا أحد أصدقائنا في لاهور أن محمد أحمد لو كان دجالا لأوجبت علينا الضرورة أن نعتقده مهديا وأن لا نفرط في شيء مما يؤيده.
بعد هذا كيف يمكن للإنجليز دفع غائلة محمد أحمد، حر السودان منع وسيمنع من جولان العساكر فيه، وطلب العساكر من كوركووسيك بعد شيوع هذه الدعوة في الهند مما لا تجوزه الحكمة، ولا نظن أن إنجلترا تثير حربا صليبية بحكومة الحبش على مسلمي السودان؛ لأنه يفسد عليها أمر الهند ويخالف أحكام المدنية الحاضرة.
فما هي آخر الحيل؟ أيكتفي بحفظ القنال مع ترك الفتنة يسري لهيبها إلى مصر العليا بل السفلى؟ إني أخشى كما يخشى العقلاء من شيوع هذه الدعوى، وكثرة المعتقدين بها أن يلم منها ضرر بدولة إنجلترا وبكل من له حق في مصر، فعلى الإنجليز - كما نصحنا مرارا - أن يصونوا بلادهم، ويحفظوا طريق الهند بتفويض الأمر للعثمانيين، وأولي العزم من المصريين قبل فوات الوقت، وإلى الله ترجع الأمور.
الفصل الخامس والعشرون
الدولة العثمانية
قالت جريدة «الميموريال دبلوماتيك» إنه لم يؤخذ عن الباب العالي خبر إلى الآن عن المنشور الذي عزم على إرساله للمصريين، إلا أنه محرر تام وفيه أن الدول ستدعى إلى المداولة التي قطعها إطلاق المدافع على الإسكندرية (المؤتمر)، ولن يعدل الباب العالي عن نشره إلا إذا قبلت إنجلترا أن تكون مخابرتها معه في تسوية المسائل السودانية المصرية بطريقة جدية (لا هزلية)، ولم نزدد يقينا بما ذكرته هذه الجريدة في أن الدولة العثمانية لا تتساهل في حقوقها على مصر وأنها تبذل ما في وسعها للمدافعة عنها، وكانت لنا ثقة تامة بعزائم العثمانيين وأنهم لا بد أن يقدموا لصون بلادهم المصرية من استبداد غيرهم فيها.
ولهذا نجزم بأنه لا يروق للدولة العثمانية ما ذكرته جريدة «الديلي تلغراف» من أن المستر جلادستون سيهجر عن قريب بحماية حكومته للأقطار المصرية، وأنه سيخابر الدول في تحديد أمد الحماية ولا يكون أقل من خمس سنوات، وفي أمله أن الدول لا تمانعه فيما يريد الاتفاق معها عليه في هذا الشأن، بل تعتبره حقا قانونيا أوجبه بذل الأموال الإنجليزية وإراقة الدماء البريطانية.
وفصلت هذا الخبر بعض الجرائد الفرنسية وبوبته وأشارت إلى ما أجابت به بعض الدول.
فليس مما يخطر ببالنا أن الدولة العثمانية توافق على ما تطلب إنجلترا لو فرضنا أن الدول سمحت للإنجليز بحمايتهم لمصر مدة محدودة أو غير محدودة، فإن الحوادث لا تؤمن وتقلبات الأيام لا ثقة بها، فيمكن في خمس سنوات بل في أقل منها أن تتبدل القواعد السياسية، بل ينقلب وجه السياسة انقلابا لا يعرف، والسياسيون لهم في كل حادث علة لمحو المعاهدات وتأويل الوثاق.
الفصل السادس والعشرون
Неизвестная страница