وَعِنْدِي أَنه لَا يجب عَلَيْهِ حِكَايَة كلهَا بل يَكْفِيهِ أَن يَحْكِي قولا مِنْهَا فَإِن الْمُقَلّد لَهُ أَن يُقَلّد أَي مُجْتَهد شَاءَ فَإِذا ذكر أَحدهَا فقلده حصل الْمَقْصُود نعم لَا يقطع عَلَيْهِ فَيَقُول جَوَاب مسألتك كَذَا بل يَقُول قَالَ أَبُو حنيفَة حكم هَذَا كَذَا نعم لَو حكى الْكل فالأخذ بِمَا يَقع فِي قلبه أَنه أصوب وَأولى والعامي لَا عِبْرَة بِمَا يَقع فِي قلبه من صَوَاب الحكم وخطئه وعَلى هَذَا إِذا استفتى فقيهين أَعنِي مجتهدين فاختلفا عَلَيْهِ الأولى أَن يَأْخُذ بِمَا يمِيل إِلَيْهِ قلبه مِنْهُمَا وَعِنْدِي أَنه لَو أَخذ بقول الَّذِي لَا يمِيل إِلَيْهِ جَازَ لِأَن ميله وَعَدَمه سَوَاء وَالْوَاجِب عَلَيْهِ تَقْلِيد مُجْتَهد وَقد فعل أصَاب ذَلِك الْمُجْتَهد أَو أَخطَأ وَقَالُوا الْمُنْتَقل من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب بإجتهاد وبرهان آثم يسْتَوْجب التَّعْزِير فَقبل اجْتِهَاد وبرهان أولى وَلَا بُد أَن يُرَاد بِهَذَا الإجتهاد معنى التَّحَرِّي وتحكيم الْقلب لِأَن الْعَاميّ لَيْسَ لَهُ اجْتِهَاد ثمَّ حَقِيقَة الإنتقال إِنَّمَا تتَحَقَّق فِي حكم مَسْأَلَة خَاصَّة قلد فِيهِ وَعمل بِهِ وَإِلَّا فَقَوله قلدت أَبَا حنيفَة فِيمَا أفتى بِهِ من الْمسَائِل مثلا والتزمت الْعَمَل بِهِ على الْإِجْمَال وَهُوَ لَا يعرف صورها لَيْسَ حَقِيقَة التَّقْلِيد بل هَذَا حَقِيقَة تَعْلِيق التَّقْلِيد أَو وعد بِهِ كَأَنَّهُ الْتزم أَن يعْمل بقول أبي حنيفَة فِيمَا يَقع لَهُ من الْمسَائِل الَّتِي تتَعَيَّن فِي الوقائع فَإِن أَرَادوا هَذَا الِالْتِزَام فَلَا دَلِيل على وجوب اتِّبَاع الْمُجْتَهد الْمعِين بإلزامه نَفسه ذَلِك قولا أَو نِيَّة شرعا بل بِالدَّلِيلِ واقتضاء الْعَمَل بقول الْمُجْتَهد فِيمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى ﴿فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾ وَالسُّؤَال إِنَّمَا يتَحَقَّق عِنْد طلب حكم الْحَادِثَة الْمعينَة وَحِينَئِذٍ إِذا ثَبت عِنْده قَول الْمُجْتَهد وَجب عمله بِهِ وَالْغَالِب أَن مثل هَذِه إلزامات مِنْهُم لكف النَّاس عَن تتبع الرُّخص وَإِلَّا أَخذ الْعَاميّ فِي كل مَسْأَلَة بقول مُجْتَهد اخف عَلَيْهِ وَأَنا لَا أَدْرِي مَا يمْنَع هَذَا من النَّقْل وَالْعقل فكون الْإِنْسَان متتبعا مَا هُوَ أخف على نَفسه من قَول مُجْتَهد يسوغ لَهُ الإجتهاد مَا علمت من الشَّرْع مذمة عَلَيْهِ وَكَانَ ﷺ يحب مَا خفف عَن أمته وَالله سُبْحَانَهُ أعلم بِالصَّوَابِ انْتهى
وَهَذَا آخر مَا أردنَا إِيرَاده فِي هَذِه الرسَالَة وَالْحَمْد لله أَولا وآخرا
1 / 36