47

وجوها من أهل مكة

من العراق ووادي الشام.

وتلك بالفعل كانت مأساة عزيزة ابنة سلطان تونس الطاعن في السن المريض معبد بن باديس، الذي من نسله انحدر «المعز بن باديس» باني قاهرة المعز.

كانت مأساة أو فاجعة عزيزة تكمن في جمالها الباهر وسعة معرفتها، مما جلب إليها العشرات إثر العشرات من الخطاب وراغبي التقرب منها والفوز بزواجها، متوسلين لتحقيق رغبتهم تلك بكل غال ونفيس وركوب كل صعب يفضي إلى استحواذهم على عزيزة.

أما هي - أي عزيزة - فكانت ترفض في كل مرة مثل هذا المطلب، الذي سيقودها في نهاية المطاف إلى أن تصبح قابعة وظلا لرجل قد لا تعرفه أو تسمع به أو تكن له أية مشاعر.

زوج أو خطيب قد يجيئها مرة من أطراف جزيرة العرب وقد يجيئها من مصر العدية، أو مراكش والأندلس، محملا بأكياس الهدايا التي تنوء تحت ثقلها هوادج الجمال أو المراكب والبواخر، يريد أن يفرغها من فوره على أعتاب قصر أبيها السلطان المسجى على فراشه معبد بن باديس منذ سنين، ليعود بعزيزة إلى بلاده بدلا من المال والهدايا والمجوهرات، وكأن الأمر هنا لا يعدو مجرد صفقة تجارية لا غير.

بل إن والدها ذاته «معبد» أصبح لا يرى في زواجها سوى مجرد تحقيق المزيد من الاستحواذ على عناصر قوة جديدة عن طريق زواج عزيزة من ذلك الحاكم أو ابن ذلك الأمير. وفي مثل هذه الحالات تعتريها ثورة من الغضب كلما عرض عليها قبول زيجة من هذا النوع: عزيزة لن تكون يوما مجرد سلعة سياسية لتحقيق أطماع وتحالفات على حساب سعادتها ليس إلا.

هكذا كانت تصرح لأقرب صديقاتها ووصيفاتها محتدة في معظم حالاتها، وخاصة لصديقة طفولتها وابنة عمها «سعدى» ابنة فارس تونس الأول وحاكمها في غيبة والدها السلطان الذي صرعه المرض الأعوام الطوال، سعدى بنة الزناتي خليفة.

فكانت سعدى توافقها متحمسة بالنسبة إلى موقفها ومشاعرها تلك، وهي التي تربت معها لا تفارقها منذ مهد الطفولة وأيام الدراسة والأسفار لاستكمالها، حيث قضت بضع سنوات بغرناطة بالأندلس وعامين بإسطنبول، حيث ظلتا معا لا تفترقان ليل نهار.

فكانتا تتبادلان معا الأحاديث والآراء، وتصدران التعليقات ذاتها بعدما تلاقت وجهات نظرهما في كل شيء حتى بالنسبة إلى عادات وتقاليد الشعوب والأقوام والحضارات الغربية التي تمر عليهما.

Неизвестная страница