قد تطلب إلي توضيح ما قدمته لك من المقدمات من حوادث التاريخ؛ لأنك تعتبر الوشائج والصلات التي بين ما نحن بصدده وبين عصرنا المأموني قوية من حيث ما وقع فيه الرشيد وغيره من خطأ في نظام ولاية العهد، وقد تطلب مني أن أمر مسرعا بجسام الحوادث التي لها آثارها ونتائجها، وأن أكون مجملا لا مفصلا، وموجزا لا مسهبا.
على أنني سأترك الأدلة التي أفعم به الطبري وابن الأثير كل سنة من سنيهما تحدث وحدها بصدق ما ذهبت إليه، وأسمح لنفسي بأن أتساءل مليا: ماذا فعل عبد الملك لما وصل الحكم إلى يده؟ لقد حاول ما هو طبعي من عزل أخيه عبد العزيز وتحويل عهده إلى الوليد، ولولا وفاة عبد العزيز لوقعت الأزمة، وشجر الخلاف، وعمد كل إلى سلاحه وحزبه.
ثم ماذا فعل عبد الملك؟ لقد ولى الوليد وسليمان، فحاول الوليد ما هو طبعي من عزل سليمان وتولية ابنه لولا أن عاجله القضاء.
ثم ماذا فعل سليمان؟ لقد ولى عهده عمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك.
ثم ماذا فعل عمر بن عبد العزيز، وماذا فعل يزيد، وماذا فعل هشام؟ إن التاريخ وختام عهد كل ليؤيدان، بقوة ووضوح ليس بعدهما من مزيد، صحة ما ذهبنا إليه مما يبيح لنا أن نختصر الحوادث والأدلة اختصارا.
على أنه قد يطلب منا إثبات تلك الحال المؤلمة التي تنتج عن المبايعة لاثنين بولاية العهد، ومبلغ خسارة الدولة من رجالها المعدودين وأقطابها النادرين في هذا السبيل؛ سبيل اصطدام صاحبي ولاية العهد. وسنجمل ذلك إجمالا يستدعيه مقامنا.
إنه من الميسور أن يقرأ القارئ أن ولاية العهد كتبت لهشام ثم للوليد من بعده مثلا، وربما فاته أن لكل حزبا يناصره، وبطانة تنشر دعوته، وربما تطرفت في منهجها السياسي تطرفا يؤكد العداوة في القلوب، ويستثير السخائم في النفوس، ولماذا نذهب بعيدا وأمامنا ما وقع بين هشام والوليد، فإن هشاما مات قبل أن يكلل بالنجاح مسعاه، فسرعان ما نمت أقوال الوليد عن شديد مقته لهشام؛ فقال مثلا:
هلك الأحوال المشو
م وقد أرسل المطر
وملكنا من بعد ذا
Неизвестная страница