أدرك أنه لم يفهم قصده، فعاد يسأله: ما أهم شيء لتوفير السعادة؟ - الصحة! - ولكنها وحدها لا تكفي. - والرزق! - ولا شيء آخر؟ - الزوجة والأولاد.
لقد ضاق بها جميعا، وفر منها إلى المجهول. ولو شاء أن يبقى ويتزوج من أخرى لفعل. كلا، الأمر أشد تعقيدا مما يتصور فرج يا مسهل. •••
ودق جرس التليفون ضحى يوم في شقته: ألو؟ - عزت عبد الباقي؟ - أنا هو ... من حضرتك؟ - أما زلت تذكر حمدون عجرمة؟
خفق قلبه مستدعيا خليطا من الانفعالات المضطربة، لكنه هتف: حمدون! - نعم. - لا أصدق ... أي فرحة ... مبارك ... مبارك ... مبارك ... أين أنت الآن؟ ... تعال بلا تردد ... إني في انتظارك. •••
كان قد مضى على تجربة زهرة النيل شهر أو شهر وأيام، وجلس ينتظر بقلب كئيب ونفس رافضة حانقا على الماضي الذي لا يريد أن يموت، وخيل إليه أنه يستمد من عذابه قوة ستغير كل شيء، وأنه سيرفض ذل الأسر المقيم.
وأقبل حمدون عجرمة.
أقبل رجلا آخر كما توقع، ولكنه فاق توقعه، لم يكد يعرفه. رآه لأول مرة أصلع، وعينه اليسرى أضيق من اليمنى، على حين وشت مشيته الواهنة ورجله اليمنى المتصلبة بشلل أصابه ذات يوم ... تجسد له إثمه القديم مكشرا بغيضا، فاستل من نفسه أي حنان كان جديرا أن يمس أوتار وجدانه. اجتاحته عاصفة في الخفاء وهما يتعانقان. استفزه ذلك إلى مزيد من التفكير في البحث عن حياة جديدة. يريد أن يذهب كما يتعطش إلى رؤية سمير، وجلس في فوتيل مقابل، في موضع ابنه المختار، وتبادلا النظر؛ هو مبتسما والآخر جامدا أو عاجزا بفيه المعوج قليلا من الابتسام. قال عزت بابتهاج: الله وحده يعلم بمدى فرحتي بلقائك.
فقال حمدون بصوت منخفض: توقعت ذلك، لست على ما يرام، ولكن يسعدني أن أراك في صحة جيدة.
فقال عزت كالمحتج: بل أصبحت بدوري أخا مرض، ليس هذا هو المهم، كلانا وراءه حكاية، وسيتيح لنا الوقت تبادل الحكايات.
فقال حمدون بهدوء وثبات: ولكنك أنجبت ابنا رائعا!
Неизвестная страница