Арабы этого времени: страна без владельца
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
Жанры
وحدث نفس الشيء في تاريخ العرب الحديث. كانت الثورات الأيديولوجية أمرا طبيعيا؛ فالأحزاب السياسية التي تكونت منذ فجر النهضة العربية أحزاب أيديولوجية تمثل ممارسات عملية لتيارات فكرية؛ فالرأسمالية كنظام اقتصادي تقوم على الليبرالية كنظام سياسي؛ فإذا ما قامت الرأسمالية دون قيمها فإنها تتحول إلى نهب وسلب وفساد واحتكار واستغلال وتهريب رءوس الأموال إلى الخارج. والاشتراكية كنظام اشتراكي تقوم على أيديولوجيات المساواة والعدالة الاجتماعية، سواء كانت اشتراكية طوباوية أو دينية أو ليبرالية أو قومية أو علمية؛ أي ماركسية. والأيديولوجية القومية تقوم على تيار فكري يعتمد على وحدة الأمة والتاريخ واللغة والثقافة، وليس بالضرورة العرق أو الدين. والإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية في الوطن العربي والأحزاب الإسلامية الأخرى تقوم على الأيديولوجية الإسلامية، الإسلام عقيدة وشريعة، ونظم ومؤسسات
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (المائدة: 44)،
الضالون ،
الفاسقون . وهي التجارب السياسية التي مرت بها مصر والوطن العربي في النصف الأول من القرن العشرين. كانت الأولوية فيها للسياسة على الاقتصاد، وللفكر على الواقع، وللشعار على الوضع الاجتماعي؛ فالمجتمع التراثي أو الحديث له ولاؤه الأيديولوجي تعبيرا عن هويته قبل ولائه الاجتماعي تعبيرا عن فقره.
وكانت الأيديولوجية الوطنية هي القاسم المشترك بين هذه الأيديولوجيات السياسية؛ فالليبرالية في العشرينيات قادها باشوات مصر الوطنيون، والاشتراكية في الخمسينيات والستينيات قادها الضباط الأحرار حصيلة النضال الوطني في الأربعينيات. والحركة الإسلامية منذ الأفغاني ورشيد رضا إلى حسن البنا وسيد قطب قادها الوطنيون المصريون ضد الاستعمار والقصر. والماركسية التي حكمت في تحالف مع باقي الأحزاب، خاصة حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية والعراق واليمن، حمل لواءها زعماء التحرر الوطني ضد الاستعمار.
وكانت الثورات الكبرى في مصر ثورات وطنية، سواء ثورة 1919م أو ثورة 1952م، بل إن بعض التحركات الشعبية قامت أيضا دفاعا عن الحرية والاستقلال مثل النضال الوطني في مصر في الأربعينيات، وحركات الجماهير في 1951م، وحرب الفدائيين في قناة السويس ضد الاحتلال البريطاني، وأزمة مارس في 1954م، ومظاهرة مارس 1968م ضد هزيمة يونيو (حزيران) 1967م، والأحكام المخففة على قادة الطيران. واستمرت المظاهرات الوطنية ضد العدوان الأمريكي على شعب العراق، والعدوان الإسرائيلي على شعب فلسطين؛ فالمعركة الوطنية لها الأولوية على المعركة الاجتماعية، ومواجهة العدوان في الخارج مقدم على مواجهة القهر في الداخل.
ثم توالت التحركات الجماهيرية بعد ذلك بدافع الفقر ضد غلاء الأسعار في الانتفاضة الشعبية في يناير 1977م، وتمرد قوات الأمن المركزي في يناير 1986م، ثم مظاهرات عمال النسيج في المحلة وموظفي وزارة المالية والضرائب العقارية هذا العام. وبدأت العدوى تسري لدى باقي العمال والموظفين، وينضم إليهم الفلاحون خارج نقاباتهم؛ فالطبقات المحرومة هي الأشد ضررا، وصوتها يصل مباشرة للناس دون القنوات المتوسطة، النقابات والاتحادات والأحزاب وأجهزة الدولة.
ظهر أن للأيديولوجيات السياسية حدودا في قدرتها على تحريك الجماهير في العقود الأخيرة؛ فهي محصورة في النخبة، والنخبة المثقفة، قادتها من النخبة، مثقفين وكتابا وفنانين وأدباء. وجماهيرها من النخبة من الطلاب والمهنيين والنقابيين. هي قلة كما من حيث العدد، وكيفا من حيث التكوين. ينتمون إلى الطبقة المتوسطة التي لم تعايش الحرمان ولم تعرف الضنك، بالرغم من محاولات بعض الأحزاب التقدمية تكوين قيادات عمالية وفلاحية. تتسابق على السلطة، وتتنافس فيما بينها، كل منها يعتبر نفسه الفرقة الناجية. يغيب الحوار الوطني بينها؛ وبالتالي صعب تكوين جبهة وطنية، أو ائتلاف عريض لإنقاذ البلاد نظرا لغياب التعددية كأساس نظري وبنية ثقافية ورؤية سياسية. الجانب الاجتماعي فيها ما زال مهمشا؛ فالأولوية لنصرة المذهب السياسي على توفير لقمة العيش. صحيح قد يبرز هذا الجانب في حزب أكثر من آخر مثل الطليعة الوفدية، الجناح الاشتراكي في حزب الوفد التقليدي أو الناصرية، أو الإسلام الاشتراكي عند مصطفى السباعي وسيد قطب وتطويره في «اليسار الإسلامي» في مصر وتونس. ومع ذلك يظل أثره مبنيا على توجهات الكتلة الحزبية.
لذلك نمت قوة الفقراء، وبدأت في الانفجار بعد أن خذلهم الحزب الحاكم ولم تستطيع قوى المعارضة نيل حقوقهم. والثورة ضد الجوع أبلغ من أي نظرية أو أيديولوجية في الجوع. وكما قال جان بول سارتر: إن كل النظريات والقصائد والمقالات عن الجوع لن تمنع طفلا من أن يموت جوعا. إنما هي قطعة خبز؛ فالصراع من أجل البقاء أكبر دافع على التحرك من الانتساب الأيديولوجي أو الولاء المذهبي. الفقر والضنك والبؤس والعوز والمرض والعري والجهل والبطالة والمجاري الطافحة والمياه غير الصالحة للشرب والمواصلات المستحيلة والتشرد في الشوارع، كل ذلك واقع حسي مشاهد يدفع الناس إلى الصراخ، وإلى النزول إلى الشوارع دونما حاجة إلى مثقف نظري طليعي، أو موظف أيديولوجي في الحزب. وحركة الجماهير التلقائية ليست في حاجة إلى لجان التثقيف وأمانة التنظيم في الحزب.
ويزيد من تحركات الجماهير الظروف الخارجية ومآثر العولمة، واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وانهيار النظم الاشتراكية، وسيادة قوانين السوق، وذيوع قيم الاستهلاك، وشراء الاحتياجات بالأسعار العالمية والمرتبات المحلية، ورفع الدعم التدريجي عن المواد الأولية، وتحويل كل شيء إلى قوانين العرض والطلب في التعليم والإسكان والعمل، واتباع وصايا البنك الدولي برفع الدولة أيديها عن الاقتصاد وتركه للقطاع الخاص، بما في ذلك قطاع خدمات التعليم والصحة، والماء والكهرباء والغاز، والإسكان والخبز.
Неизвестная страница