وَترى فلَانا كَذَلِك وَفُلَانًا كَذَلِك
إِنَّمَا يعرض على نَفسه ويجرى على خاطره من بلغ إِلَى إِرَادَته وصل إِلَى أمْنِيته لِأَن ذَلِك هُوَ الَّذِي غلب على قلبه وشغف بحَديثه فتراه يسْعَى ويرغب ويحرص وَيطْلب ويزفر ويكد فِي حدور وصعود وطلوع وهبوط آنَاء اللَّيْل وآناء النَّهَار وَلَا يقر بِهِ قَرَار وَلَا تضمه فِي أَكثر الْأَوْقَات دَار وَكلما فرغ من شغل أَخذ فِي آخر مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ بل لَا يفرغ من شغل إِلَّا وَقد عرضت لَهُ أشغال وَلَا يصل إِلَى أمل إِلَّا انْبَعَثَ لَهُ آمال
فيمني نَفسه بالأماني الْبَاطِلَة ويحدثها بالأحاديث الكاذبة
فَإِن وصل إِلَى حَظّ من المَال وَنصِيب وافر من الْكسْب مِمَّا يُمكن أَن يعِيش بِهِ عمره كُله أَو طعن فِي السن وَقيل لَهُ يَا فلَان أرح نَفسك ودع جسمك فَهَذَا الَّذِي عنْدك يَكْفِيك قَالَ يَا أخي لَا تقل هَذَا اللَّيْل وَالنَّهَار بَين يَدي وَلَا يكفيهما قَلِيل وَلنْ يدوما على أحد إِلَّا أذهبا مَا فِي يَده وأخذا مَا كَانَ عِنْده وَلَا يدْرِي مَا يكون والآفات كَثِيرَة والإمراض متوقعة وَالْحَاجة إِلَى النَّاس صعبة لَا سِيمَا مَعَ الْكبر وَلَا سِيمَا إِن كَانَ الْأَهْل وَالْولد
فيقيم الْعذر لنَفسِهِ وَيطْلب لَهَا الْحجَّة وَيُوجد لَهَا الدَّلِيل ويصحح لَهَا بِزَعْمِهِ التَّأْوِيل
فَإِن ذكر بِالْمَوْتِ أَو حدث بِمَوْت إِنْسَان قَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَالله إِنِّي لفي غَفلَة وَالله إِنِّي لفي غرور وَالله إِن هَذِه لمصيبة لَا يدْرِي الْإِنْسَان مَتى يخترم وَلَا مَتى يختطف وَلَا مَتى تفجؤه الْمنية وَتحل بِهِ هَذِه الرزية وتنزل بِهِ هَذِه الْمُصِيبَة
هَكَذَا قولا بِلَا فعل وكلاما بِلَا نِيَّة وَلَو كَانَ عَن صدق نِيَّة وَصِحَّة طوية لظهر ذَلِك عَلَيْهِ وبدت مخايله مِنْهُ
1 / 98