فلا شك أنه قد علم من أخبارها في جاهليته وبعد إسلامه شيئا غير قليل ... •••
وفي وسعنا على الجملة أن نتخيل حياة عمرو في الجاهلية على النحو الذي وصفته لنا حكايات الرحلة إلى الحبشة والشام ومصر، بما يتخللها من أفانين الاختراع والتزويق، فلن تكون على نحو غير النحو المعقول من تلك الحكايات بعد إخلائها من الأخلاط التي لم تخل منها قصة قديمة من قبيلها.
وقد ظهرت الدعوة المحمدية وعمرو بن العاص يعيش في الحجاز هذه المعيشة، أو يضرب فيما حوله على النحو الذي رأيناه.
فكيف كان لقاؤه الأول للإسلام؟ وكيف جاوب هذا الرجل تلك الدعوة الطارئة عليه؟
أوجز ما يقال: إنه جاوبها كما ينتظر أن يجاوبها رجل مثله في مثل طبيعته وعمله وخبرته بما حوله.
جاوبها على سنة الحيطة العملية التي لا تقدم على الأمر إلا إذا زالت جميع الموانع من طريقه، وتبينت دواعي الإقبال عليه فعارض الإسلام في حياة أبيه؛ لأنه كان يعتز باسمه ويعتز بالعصبية التي تعلق بها جميع فخره، أو جميع سلواه من حطة نسبه إلى أمه.
ومات أبوه، فظل يعارض الإسلام لبقية أمل عنده في غلبة قريش وإخفاق هذه الدعوة الواغلة عليها.
وانهزمت قريش مرة بعد مرة، فلم ييأس من رجعة النصر إليها، ولم يستسلم لأمله في انتصاره، بل فكر في الحبشة يلوذ بها وينتظر العاقبة فيها، فيستبقي مودة قريش إذا انتصرت، ولا يصاب بهزيمتها إذا هي أطبقت عليها الهزيمة، ويأمن على نفسه في الحبشة وعند صاحبه النجاشي ما استقر به المقام فيها.
لكنه لقي النجاشي فإذا هو صديق للنبي العربي، لا يغضبه ولا يفرط في رسله ودعاته ...!
ويجوز أن النجاشي قد أحس صدق النبي وعلم ما بين الإسلام والمسيحية من المقاربة والمناسبة، فاستنكر أن ينصر ديانة الأوثان على ديانة التوحيد!
Неизвестная страница