Мир плотин и оков
عالم السدود والقيود
Жанры
فقال: سأخرج في عفو العيد! أي في آخر رمضان.
فهو قد جمع الربيعين والجمادين في اسمين بدلا من أربعة أسماء، وأسقط شهر رمضان كله كأنه لا يعد في الزمان.
وأعرف سجينا كان سيخرج يوم الثلاثاء، فلما بقي على خروجه ثلاثة أشهر أخذ يحسب المدة الباقية بالأسابيع ويختم الأسبوع بيوم الأربعاء، حتى إذا وصل إلى الأربعاء الأخيرة لم يحسب ما بعدها وأسقط بذلك ستة أيام.
وكان لي جار مررت به أودعه قبل خروجي بيوم، فقال لي إنه سيخرج بعدي بخمسة عشر أسبوعا، وأشار إلى خطوط على الحائط إلى جوار النافذة بعدة الأسابيع الباقية، فعمدت إلى خطين منهما فمسحتهما وقلت له: إنني أسقطت عنك هذين الأسبوعين كرامة لهذا التوديع! فوالله لقد سر بذلك كأنني مسحت الأسبوعين في مدار الأيام، وشكرني على هذه النية أو هذه الأمنية، وأحسبه قد عالج مشقة مرهقة في إعادة الخطين إلى مكانهما؛ لأن هذه الإعادة تبدو له كأنها زيادة أسبوعين!
وعلى هذه المغالطة الشائعة لن تجد سجينا واحدا يجهل الحقيقة أو يجهل عدة ما بقي له من الأيام باليوم ولو كان الباقي عدة شهور، واسأل من شئت منهم على غرة: كم بقي لك من يوم؟ فإذا هو يجيبك توا بلا تفكير ولا إبطاء! وإياك أن تستكثر هذه الأيام أو تظهر بالدهشة والأسف ما يدل على استكثارها وإن كانت كثيرة، بل كل ما يمكن أن تقول في لهجة الاستخفاف: تهون! فيقول لك: لا هنت، أو يكرر الكلمة على مسمعك قائلا: تهون! تهون!
وإذا دخل الليمان سجين محكوم عليه بخمس سنوات أو نحو هذه المدة قالوا له: إنما أنت زائر! واحتقروه كما يحتقر ساكن البيت ساكن الخان النزيل! وأقنعوا أنفسهم بهذه المغالطة أن الخمس سنوات في الليمان خطب يسير.
والشأن في هذه الخصلة شأن جميع السجناء بلا استثناء عالم أو جاهل وذكي أو غبي ومجرب أو غرير، فكلهم يسوسون مشكلة الوقت على هذا المنوال، وكلهم يألفون المغالطة هذه الألفة، وكلهم يستكبرون ما مضى ويستصغرون ما سيأتي وسوف يأتي إلى يوم الإفراج، وهو يوم محقق الوصول عندهم جميعا كأنما الموت قدر مؤجل إلى ما بعد وفاء المدة، أو كأنما الإنسان لا يخرج من دنياه إلا بعد خروجه من سجنه أو منفاه!
قال الكاتب الروسي الكبير «دستيفسكي» يصف منفاه وسجنه في سيبيريا: «من اليوم الأول بدأت أحلم بيوم الخلاص، وجعلت هجيراي أن أحصي ألوفا وألوفا من المرات على ألوف وألوف من الطرائق والأنماط مقدار أيامي التي سأقضيها في المعتقل، وكنت أفكر في ذلك دون غيره، وكل من حرم الحرية فترة محدودة من الزمن فإنما يفكر على هذه الوتيرة، وإني من ذلك لعلى أتم يقين.»
وقال في وصف الأيام الأخيرة: «لقد نسيت أمورا كثيرة، ولكني أذكر - ويا لشدة ما أذكر - كم كانت الساعات في السنتين الأخيرتين بطيئة بطيئة وكم كانت الأيام حزينة حزينة، لا يلوح عليها أنها ستقترب من مساء ولا تزال كأنها خضم من الماء ينحدر قطرة فقطرة، وإني لأذكر كذاك أنني كنت مفعما بشوق طاغ إلى البعث والنشور من هذا القبر زودني بقوة على الصبر والانتظار والرجاء، ومن ثم تعودت الجلد والاحتمال وعشت على الترقب والأمل، وعددت كل يوم عابر، فإن بقي من الأيام ألف فقد أشعر بالارتياح؛ لأن يوما قد مضى ولم يبق إلا تسعمائة وتسعة وتسعون!»
وهكذا تعتصم النفوس بالمغالطات ويصيح المستغرب: هل أغالط نفسي؟! كأن الإنسان لا يغالط إلا غيره! وهو لنفسه في الحقيقة أول المغالطين!
Неизвестная страница