من الحسن أن نكتب عن محمد الرئيس بعد كتابتنا عن محمد الصديق ... لأنه هو قد جعل للرئاسة معنى الصداقة المختارة، فمحمد الرئيس هو الصديق الأكبر لمرءوسيه، مع استطاعته أن يعتز بكل ذريعة من ذرائع السلطان ...
فهناك الحكم بسلطان الدنيا.
وهناك الحكم بسلطان الآخرة.
وهناك الحكم بسلطان الكفاءة والمهابة.
وكل أولئك كان لمحمد الحق الأول فيه؛ كان له من سلطان الدنيا كل ما للأمير المطلق اليدين في رعاياه، وكان له من سلطان الآخرة كل ما للنبي الذي يعلم من الغيب ما ليس يعلم المحكومون ... وكان له من سلطان الكفاءة والمهابة ما يعترف به بين أتباعه أكفأ كفء وأوقر مهيب.
ولكنه لم يشأ إلا أن يكون الرئيس الأكبر، بسلطان الصديق الأكبر؛ بسلطان الحب والرضا والاختيار ...
فكان أكثر رجل مشاورة للرجال، وكان حب التابعين شرطا عنده من شروط الإمامة في الحكم بل في العبادة، فالإمام المكروه لا ترضى له صلاة.
وكان يدين نفسه بما يدين به أصغر أتباعه ... فروي أنه «كان في سفر وأمر أصحابه بإصلاح شاة. فقال رجل: يا رسول الله! علي ذبحها، وقال آخر: وعلي سلخها، وقال آخر: علي طبخها ... فقال عليه السلام: وعلي جمع الحطب.
فقالوا: يا رسول الله نكفيك العمل. قال: علمت أنكم تكفونني، ولكن أكره أن أتميز عليكم، إن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه.»
وأبى، والمسلمون يعملون في حفر الخندق حول المدينة، إلا أن يعمل معهم بيديه. ولولا أنها سنة حميدة يستنها للرؤساء في حمل التكاليف لأعفى نفسه من ذلك العمل وأعفاه المسلمون منه شاكرين.
Неизвестная страница