ولقد علم القارئ من فصولنا السابقة أننا لم نكتب هذا الكتاب لشرح الأصول الإسلامية وتفصيل محاسن الدعوة المحمدية، فذلك غرض لا تتسع له هذه الفصول وليس لنا أن نتصدى له بعد من فصلوه وكرروا الكتابة فيه ...
وإنما نقصد بهذه الفصول إلى غرض قدمناه على كل غرض في موضوعه، وهو بيان البواعث النفسية التي توحي إلى النبي أعماله ومعاملاته، ولا شك في مطابقة هذه البواعث لكل أمر من أوامر الدين وكل نهي من نواهيه إلا أن الخير المطبوع شيء والخير المأمور شيء آخر، والخير المطبوع هو الذي قصدنا إلى بيانه بكل ما بيناه.
ففي كتابنا عن معاملة محمد للعبيد والخدم لا ننوي أن نفصل أحكام الإسلام وأوامر القرآن في هذه المعاملة، وإنما ننوي أن نبين مزية محمد على جميع السادة في هذا الباب، وهي مزية لا تتوافر لمن يقنعون بالتزام الأوامر والحدود، ولا للذين يرتفعون إلى أرفع مرتبة تفرضها هذه الأوامر والحدود.
الإسلام والرق
على أن هذا لا يمنعنا أن نوجز الإشارة بداءة إلى مزية الإسلام بين الأديان الأخرى في مسألة الرق والاستعباد، لأن أناسا يخلطون بين اعتراف الإسلام بنوع من الرق وبين اعتباره مسئولا عن وجوده في الزمن القديم، ويردون شيئا من ذلك إلى عمل النبي عليه السلام ...
فمن الواجب أن نذكر أولا أن دينا من الأديان الأخرى لم يأمر بإلغاء الرق في شكل من أشكاله، سواء رق الحرب أو رق النخاسة والبيع والشراء، وإن أناسا من أقطاب المسيحية كالقديس أغسطين سوغوه واعتبروه جزاء عادلا للخطايا التي يقترفها المسترقون، وجاء بعض أحبار الكنيسة فحرموا على الأرقاء شرف الخدمة فيها بالوعظ والهداية، أنفة لها أن يدنسها لؤم العنصر الذي وسموا به الرقيق.
ويجب أن نذكر بعد هذا أن النظام الاقتصادي القديم في أساسه كان مرتبطا بالاسترقاق أشد الارتباط. فكان إلغاؤه طفرة واحدة أقرب شيء إلى المستحيلات، ولم يكن أنفع في علاجه من التدرج خطوة فخطوة والابتداء بتصعيبه وترغيب الناس عنه، وهو ما شرعه الإسلام.
فالإسلام قد بدأ بتحريم كل رق غير رق الأسرى في الحروب، ثم حسن إطلاقهم وسماه منا وعفوا يشكر فاعله عليه:
فإما منا بعد وإما فداء (محمد: 4).
ثم أجاز للأسير أن يشتري نفسه، وأوجب حريته في حالات كثيرة يرجع معظمها إلى إرادته هو، إذا استطاع.
Неизвестная страница