الفصل الحادي عشر
السيد
الخير المطبوع
قدمنا الكلام في فصول هذا الكتاب عن محمد رئيسا، ومحمد صديقا، ومحمد زوجا، ومحمد أبا، بعد الكلام على عبقريته في الدعوة، وعبقريته في قيادة الجيوش، وعبقريته في السياسة والإدارة والبلاغة.
وبقي جانب لا تتم بغيره الإحاطة بجوانب النفس الإنسانية في العلاقات بينها وبين سائر النفوس، وهو جانب المعاملة التي تكون بين الرجل ومن هم دونه ممن يملك أمرهم ويقبض على زمامهم ولا يعتصمون منه بعاصم غير عواصم طبعه وخلقه، ونريد بهم الخدم والعبيد والأرقاء، وهي معاملة لها من الدلالة على الأخلاق، ما يندر أن تدل عليه معاملة أخرى، لأنها تأتي من طبائع النفس وعقائدها، ولا تأتي بأمر آمر أو بدعوة داع.
فالصداقة لها الحقوق المتكافئة بين الصديقين لا يستطيع أحدهما أن ينساها زمنا طويلا إلا ذكره بها مذكر من صديقه الحافظ لحقوقه، القادر على مقابلة الجفاء بمثله، ولو في طوية نفسه.
والرئاسة قد تخول الرئيس حق السيطرة، وتفرض على المرءوسين واجب الطاعة، غير أنها قل أن تنطلق بغير وازع من خشية الغضب أو خشية الانتقاض يحسب له الرئيس كل الحساب، أو بعض الحساب.
والأب يعطف على بنيه فلا يعجب الناس لعطفه عليهم، لما ركب في طباع جميع الأحياء من حب الأب لولده، وإن اختلف الآباء في صفات العطف وفي استحقاقهم لبر الأبناء.
وكذلك الزوج يرفق بزوجته وليس له كل الاختيار في رفقه، لما يكون بين الزوجين من دالة يعتز بها الضعيف، ويستغني بها أحيانا عن القوة والرئاسة ...
أما العبد المملوك فلا عاصم له غير ما في نفس سيده من رحمة وخير، وإنه لمن الرحمة والخير أن يتبع السيد أمر الدين مع عبيده وخدمه الذين لا ينصرهم عليه ناصر في هذه الدنيا ... بل إنها لرحمة تؤثر ولو وقفت عند حدود الأوامر الإلهية، فإذا تجاوزتها إلى طواعية في الخير لم يفرضها الدين، ولم يفرضها العرف، ولم يطلبها العبد نفسه، فتلك هي الرحمة في أصدق معانيها، وهي أدل الدلالات على لباب الأخلاق. •••
Неизвестная страница