85

Гениальность Халида

عبقرية خالد

Жанры

فاستعد الفريقان غاية ما في الوسع من استعداد.

وارتضى كلاهما موقع اليرموك للوقعة الفاصلة بينهما؛ لأنه يوافق طلبة القيصر من مكان «واسع العطن، واسع المطرد، ضيق المهرب» ولا يكرهه المسلمون؛ لأنهم رأوا أن منزل الروم فيه منزل محصور بين النهر والبحيرة والوادي وجيش المسلمين. أو كما قال عمرو بن العاص حين رآهم: «أيها الناس: أبشروا ... حصرت والله الروم، وقلما جاء محصور بخير ...» تحاجز الجيشان أشهرا لا يشتبكان إلى جمادى الآخرة أو رجب على قول بعض الرواة.

وكلاهما ينظر كيف يبدأ الآخر هجومه ليرتب له لقاءه، وكلاهما قد عبأ طاقته من سلاح الأيدي ولم يزل يعبئ طاقته من سلاح النفوس؛ سلاح العقيدة والفداء.

واستعان الرومان بالقسيسين يلهبون الحمية ويضرمون الحفيظة، ويهونون على أتباعهم بذل الأرواح في سبيل الملة والدولة والمجد القديم.

وأقبل المسلمون على القرآن يرتلونه وعلى العظات يذمرون بها القلوب، وجعلوا وراءهم حرسا من الأعراض هو أقوى الحراس بعد الإيمان ... ثم كثرت الحركة أياما في جيش الروم، فعلم القادة المسلمون أنهم مقتربون من الهجوم، ولم يشأ خالد أن تبتدئ المعركة بقيادة متفرقة لا تتحد في نظام واحد، فصرف همه الأول إلى تنظيم الفرق جميعا في تعبئة واحدة يقودها رجل واحد، ووجد من زملائه قلوبا مصغية فأجابوه إلى ما دعاهم إليه.

قال لهم قبل ابتداء القتال: «هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم وأرضوا الله بعملكم، فإن هذا اليوم له ما بعده، ولا تقاتلوا قوما على نظام وتعبئة وأنتم متساندون،

6

فإن ذلك لا يجمل ولا ينبغي ... وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا، فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي.»

ثم قال وقد سألوه رأيه: «إن الذي أنتم فيه أشد على المسلمين مما قد غشيهم، وأنفع للمشركين من إمدادهم، ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم، فالله الله ... إن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله ولا عند خليفة رسول الله ... هلموا ... فإن هؤلاء قد تهيأوا وهذا يوم له ما بعده. إن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردهم وإن هزمونا لم نفلح بعدها. فهلموا فلنتعاور الإمارة، فليكن عليها بعضنا اليوم والآخر غدا والآخر بعد غد حتى يتأمر كلكم، ودعوني أليكم اليوم.»

فأسندوا إليه قيادتهم يومها، وكان توحيده القيادة أول خطوة في طريق النصر الحاسم بمعركة اليرموك ... ثم أسرع إلى تعبئة قواده وجنوده على الوضع الذي رآه ملائما للتعبئة الرومانية، وهو الوضع الملائم للحرب «في العمق» - كما يقول العسكريون في هذه الأيام.

Неизвестная страница