79

Гениальность Халида

عبقرية خالد

Жанры

5

كتائب تتبعها كتائب

وكانت تفصله من دومة الجندل مسيرة أسبوعين فقطعها هو في أقل من عشرة أيام، ووجد حصن الدومة مكتظا بمن فيه وحوله زرافات ضاق بها الحصن فعسكرت بالعراء، فجعل القوم جميعا بينه وبين عياض، وتولى عياض حرب من قبله فهزمهم لما جاش في نفسه من نخوة المنافسة وما جاش في نفوسهم من الوجل والحيرة. وتدافع المنهزمون إلى الحصن يريدون بابه فسبقهم خالد إليه وانتزعه وحال بين النازلين في الحصن ومن حوله، ثم استبى كل من أصابه من رجال ونساء ... ومن هؤلاء السبايا ابنة الجودي بن ربيعة، استباها خالد لنفسه وقيل إنه اشتراها، ثم بنى بها وأقام معها في دومة الجندل أيام مقامه فيها.

وكان أهل الدومة قد عاهدوا المسلمين غير مرة ونكثوا بعهودهم فأمعن القتل فيهم وجعلهم نكالا لغيرهم، ثم قفل إلى العراق وهو مطمئن إلى غزوة الفراض بأعلى الفرات، فغزاها وفرغ منها كما تقدم، وبقيت له في العراق عزمة خالدية أخرى ولكنها من نوع غير هذا النوع، فلم يلبث أن قضاها.

بقي على موسم الحج أسبوعان وهو أول حج حان بعد تلك الغزوات المتلاحقات التي أمده الله فيها بنصره وعونه.

أيفوته قضاء الشكر في هذا الموسم وأداء الفريضة في موعدها؟ ولم؟ ألخوف من الأعداء؟ ألعائق من بعد الشقة ووعورة الطريق؟ ألعذر من الأعذار التي يعتصم بها القاعدون عن الحج برخصة من الفقهاء؟ كل أولئك عوائق لا يستهان بها ولكنها خلقت ليذللها لا لينكص عنها ... ففي خطفة الريح العاصفة خرج من أعلى العراق إلى أقصى الحجاز وأدى الفريضة وعاد إلى معسكره دون أن يعلم أحد من الأعداء ولا من المسلمين إلا أقرب خاصته المقربين، بل دون أن يعلم الخليفة نفسه وقد كان على الحج في ذلك العالم.

ويروق بعض المؤرخين أن يحسب هذه العزمة الخالدية من مغامراته التي تنم على فرط الثقة بنفسه، ولا تنم على شيء غير ذلك، ولكنها في الواقع دلت على ثقته بغيره كما دلت على ثقته بنفسه ... فقد علم أن معه بالجيش من فيه غنى وكفاية إذا جد في غيبته طارق داهم، أو خطب حازم ... وكفى بالمثنى رائده المقدام، وبالقعقاع صاحبه القديم وموضع ثقته الحميم. •••

علم الخليفة بمغامرته هذه فجاءه منه ملام وإعجاب وتكليف، ووصاة؛ أمره بحرب الدولة الرومانية بعد هذا الفوز الذي أصابه في حروب الدولة الفارسية، وأن يسارع إلى مرضاة الله وقتال أعداء الله، ويكون كمن يجاهد في الله حق جهاده.

وقال له: «سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك، فإنهم قد شجوا وأشجوا وإياك أن تعود إلى مثل ما فعلت، فإنه لم يشج الجموع من الناس بعون الله شجيك، ولن ينزع الشجا من الناس نزعك. فليهنك أبا سليمان النية والحظوة. فأتمم يتمم الله لك. ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل، وإياك أن تدل بعمل، فإن الله له المن وهو ولي الجزاء.»

وكتب إلى أبي عبيدة في الشام يخبره بمقدم خالد إليه، ويقول له في كلام صريح: «سلام الله عليك. أما بعد ... فقد وليت خالدا قتال العدو في الشام، فلا تخالفه واسمع له وأطع، فإني لم أبعثه عليك ألا تكون عندي خيرا منه، ولكنني ظننت أن له فطنة في الحرب ليست لك ... أراد الله بنا وبك خيرا والسلام.»

Неизвестная страница