Гений реформ и образования: Имам Мухаммед Абду
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Жанры
وبهذا المعنى الصحيح من معاني الفلسفة يتضح للأستاذ الإمام مذهب فلسفي مستقل في موضوع الفلسفة العامة، وهو البحث عن الوجود أو البحث عما وراء الطبيعة على اصطلاح أكثر المحدثين، وتتضح له مع هذه الفلسفة العامة فلسفة خاصة في سائرها الاجتماعيات والعقليات، ومنها فلسفة الأدب والفن، وفلسفة اللغة والبيان على الإجمال.
أما فلسفته فيما وراء الطبيعة، فهي فلسفة متصوف اطلع على آراء الفلاسفة التي دار عليها البحث بين المتكلمين والمعتزلة وفلاسفة المسلمين، ثم اطلع على أقوال فلاسفة الغرب في العصور المتأخرة اطلاعا يمكنه من الجمع بينها وبين ما يشبهها من أقوال المتقدمين، وقلما استحدث فيما بعد الطبيعة شيء من جانب المعاصرين لم يسبقهم إليه الأوائل في أمهات المسائل، وإن أضاف إليه المعاصرون ما أضافوا من مصطلحات العلم الحديث.
واستقلال الشيخ محمد عبده بالفكر والنظر، ثم استقلاله بالعمل في الإصلاح، يفردانه بمذهب بين مدارس الفلسفة الإسلامية، فلا يتيسر ضمه إلى طائفة منها يسمى باسمها وينفصل بذلك عن سائرها.
فهو مع الفلاسفة والمعتزلة في تحكيم العقل والقياس على المنطق والعلوم الكونية، ولكنه يخالف رأي الفلاسفة في معنى الوجود ومعنى العلوم بالنسبة إلى الحقيقة الإلهية، ويخالف رأي المعتزلة في مجادلاتهم العقيمة حول مسألة الصفات وما تفرع عليها من الكلام عن خلق القرآن.
وهو مع المتصوفة في رياضتهم النفسية والفكرية، ولكنه يرى أن إلهام المتصوف «ذوق وجداني» لا يجوز له أن يدين به غيره، «ولا ينكر أن لهم أذواقا خاصة وعلما وجدانيا ... ولكنه خاص بمن يحصل له لا يصلح أن ينقله لغيره بالعبارة ... فإن هذا الذوق يحصل للإنسان في حالة غير طبيعية، وكونه خروجا عن الحالة الطبيعية لا يجوز أن يخاطب به المتقيد بالنواميس الطبيعية.»
وشبيه بهذا رأي الطب - على قول ابن سينا - في علاج من كانوا يعرضون عليه من المصابين بمس الجن أو الأرواح الخفية، فإنه كان يعالج الأعراض الجسدية بما يناسبها من الأدوية الجسدية، ولا شأن له في علاج الآثار الطبيعية بما كان لها من المؤثرات غير الطبيعية، أيا كان منشؤها.
وقد يحيط بالفلسفة الإلهية في مذهب الأستاذ الإمام من يقرأ تعليقاته على العقائد العضدية، ومناقشته في حاشيته للإمام عضد الدين الإيجي والإمام جلال الدين الدواني، في شتى المسائل التي تقوم عليها اليوم فلسفة ما وراء الطبيعة عند الفلاسفة المعاصرين، مضافا إليها مسألة الصفات التي لم يطرقها هؤلاء المعاصرون.
وأيسر من هذه الحاشية - لمن يقرأ كتب الفلسفة السلفية - رسالته القيمة في التوحيد، وتفسيراته للآيات القرآنية من دروسه في الجامع الأزهر، وفيها بيان جلي لكل مسألة من تلك المسائل التي يقل فيها الجلاء ويكثر فيها الغموض في كتب الأقدمين.
فإذا أردنا أن نجعل لفلسفة الإمام حدا فاصلا بينه وبين مخالفيه من جماعة المعتزلة والمتكلمين والفلاسفة الأقدمين ... فالحد الفاصل هنا هو القدرة على حسم الجدل العقيم بالرجوع إلى حكم العقل السليم، أو هو القدر العلمية على حل المشكلات العقلية، ولا سيما المشكلات التي لا داعي للإشكال فيها غير الوقوف عند اللجاجة اللفظية والعجز عن تقرير معناها، أو غير التهالك على الزبد وترك ما ينفع الناس.
وأقرب الآراء إلى الأستاذ الإمام آراء حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رضوان الله عليه، فهو قريب منه في كل ما ابتعد به الفهم بينه وبين الفلاسفة أو المعتزلة أو المتكلمين، وليس بينه وبين حجة الإسلام من خلاف يذكر إلا كان - على الأكثر - من قبيل الاختلاف في الدرجة دون الجوهر؛ فإن الأستاذ الإمام لا يشتد على الفلاسفة اشتداد حجة الإسلام، ولا يقول بالتكفير حيث يتأتى المخرج المقبول، ولو ببعض الصعوبة في التأويل.
Неизвестная страница