(ألا رب خصم ذي بيان علوته ... وإن كان ألوي يغلب الحق باطله) # ويستشعر [مع] هذا أن الأنفة من الانقياد للحق عجز، وأن الاعتراف به والتجرع له عز، فلا يمتنع من قبول الحق إذا وضع له، ولا يكون قصده في الجدل ألا يقطع، فإن من كان ذلك غرضه لم يزل في تنقل من مذاهبه وتلون في دينه، وإنما ينبغي له أن يعتقد من المذاهب ما قام البرهان عليه إن كان مما يقوم على مثله برهان أوضحت الحجة المقنعة فيه إن كان مما لا يوجد عليه برهان، ويناضل عن ذلك من ناضله، ويجادل من جادله، فإن وقع عليه خصم هو أحسن عارضة منه، وألحن بحجته، وقصر هو في عبارته عن إيضاح حقه لم يتصور له الحق الذي قد قام في نفسه بصورة الباطل إذ قصر هو عن حجته، ولا يسحره بيان خصمه، فيظن أن حقه قد بطل لما انقطع هو عن الزيادة عليه، بل يدع الكلام في الوقت إذا وقف عليه، ويعاود النظر بعد الفكر والتأمل، فإنه لا يعدم من نفسه إذا استنجدها ولاذ بها مخرجا فيما قد نزل به إن شاء الله.
وليعلم مع هذا أن الانقطاع [ليس] بالسكوت فقط، والتقصير عن الجواب، لكن المكابرة وجحد الصورة، والخروج عن حد الإنصاف إلى اللجاجة والتنقل من مذهب إلى مذهب، وعلة إلى علة كله انقطاع، وهو أصبح عند ذوي العقول من السكوت.
Страница 194