وكان أوغوستا أسن من بسمارك بأربع سنوات، وهي تزوجت في العشرين من عمرها، وهي تنتظر لذلك، وكلما بدا جنون الملك العاطل من الولد أشد مما كان عليه أملت أن تخلفه هي وزوجها على عرش بروسية، والآن يظهر انهيار آمال حياتها دفعة واحدة بعد أن لاح فقد الأخوين للسلطة، ويتوارى ولهلم في جزيرة الأطواس،
1
ويكتم مكان عزلته حتى عن أشد رجاله ولاء، ويتيح هذا الأمر لتلك الطموح المستبدة الحسناء فرصة استغلال ما نالتها من ثقافة في فيمار، وتمثيل دور ملكات القرون القديمة العظيمات ما ألقت بيديها إلى التهلكة، وتريد أن تجعل وراثة العرش في ولدها، وتفاوض في ذلك زعيم قدماء الأحرار الشيخ فنكه، وإنها لترسم هذه الخطط إذ تفاجأ بنبأ قدوم زعيم الملكيين الجديد «بسمارك»، وهل تستقبله في البهو وجميع الجدر ذات آذان؟ «وتستقبلني في غرفة الخدم بالدور المسحور جالسة على كرسي من خشب أبيض، وتخفي عني مكان زوجها، وتصرح لي هائجة بأن من الواجب عليها أن تدافع عن حقوق ابنها، ويستند ما تبديه إلى الافتراض القائل: إن الملك وزوجها لا يقدران على حفظ مقامهما، فهي تفكر في أن تكون وصيته على العرش في أثناء صغر ولدها.»
وهنالك يقف المخلص لمليكه بسمارك مذعورا من اختفاء الأمير، لما يرجوه من وجود رجل يبذر في النفوس شجاعة ومقاومة تجاه فتنة الشعب، وتجلس زوجة الأمير ولهلم في غرفة الخدم تلك مواجهة له على مقعد خشبي، وكانت قاطعة كل أمل في أمر زوجها وأمر الملك منذ زمن طويل، ويتجلى أملها الوحيد العتيد في إنقاذ العرش من أجل نفسها وأجل ولدها، وتطلع على محاولتها الخائنة هذه نائبا في اللندتاغ غريبا عنها تقريبا مع أنه يريد العكس، ونجهل الكلام الذي نطق به آنئذ، ويمكن استنباطه من جوابه لفنكه بعد قليل وقت.
قال بسمارك: «يطلب فنكه، باسم أعضاء حزبه ووفق رغبة مرجع عال على ما يحتمل مؤازرتي في اللندتاغ وحملي له على المطالبة بتنزل الملك عن العرش والإعراض عن الأمير البروسي بموافقة هذا الأمير الفرضية ونصب الأميرة البروسية وصية على العرش مدة صغر ولدها، فأعلن أنني سأجيب عن مثل هذا الطلب بأن أقترح اتهام مقدمه بالخيانة العظمى، ويترك فنكه مشروعه بسهولة في نهاية الأمر، قائلا: إن الملك لا يحمل على التنزل عن العرش بغير مساعدة أقصى اليمين الذي يعدني ممثلا له، ويقع هذا الجدال في غرفتي الأرضية بفندق الأمراء، ويتخلل هذا الجدال أمور لا ينبغي إثباتها كتابة.»
وتنطق تلك العبارة الأخيرة - التي كتبت بعد أربعين سنة من ذلك التاريخ - بأكثر مما قرر الشيخ «بسمارك»، وبسمارك هذا عارف بالسبب الذي أتم به كلامه بقوله: «إنني لم أخاطب الإمبراطور ولهلم في هذا الأمر قط، حتى حين كنت أرى الملكة أوغوستا مناوئة لي، وإن كان الصمت أقسى امتحان تصاب به أعصابي وشعوري بالواجب في أي وقت من أيام حياتي، وما كانت أوغوستا فيما بعد لتغفر ليوسف «بسمارك» هذا طهره السياسي.»
وكان ذلك المنظر الموصوف أول المناظر وأدعاها إلى العجب حول كفاح بسمارك عن مليكه فردريك ولهلم شعورا بالولاء، لا عن باعث شخصي، وكان ذلك حين ازدرائه الشديد لذلك الملك، وما كان في مثل تلك الأوقات الصعبة من امتزاج مشاعره بالإقدام والحقد على الجمهور (الذي يجب ألا يذعن له) والزهو الفروسي الموروث والتصور الروائي الإقطاعي المثالي فيغمر في تلك الأحايين الحرجة برودة تقليبه الأمور، ويصيب فنكه من حيث الأحوال في وصف اقتراحه الشخصي «بأنه تدبير اقتضته السياسة وفكر فيه بدقة وأحكم إعداده»، وكان يمكن بسمارك - كرجل طموح - أن يسير في أيام الفتنة تلك، باحتراس أشد مما صنع لو مال مع شعوره بالولاء لفردريك ولهلم وللأمير البروسي، إلى ما قد تعرضه عليه الأميرة أوغوستا في مقابل تأييده لرغائبها، وكان يمكن بسمارك أن يعذر لو انضم إلى أعضاء الأسرة المالكة الأحداث أولئك الذين لم تكن صفحتهم سوداء في ذهن الشعب.
وعند بسمارك أن مصير بيت الملك كان قبضته في ذلك الحين؛ فقد كان المحافظون أنفسهم يرون تنزل فردريك ولهلم عن العرش، وكان يمكن حزبه الصغير أن ينزع السلطان من هذا الملك الذي كانت فرائصه ترتعد فرقا، وكانت أكثرية الأحرار في اللندتاغ ترحب بذلك الحل، وما كان ولهلم ليغدو ولهلم الأول لولا ذلك. وكان فردريك يجلس على العرش في السنة الثامنة عشرة من عمره بدلا من السنة الثامنة والخمسين من عمره لولا ذلك. وما كان بسمارك ليبصر تحول نفسه ولا تحول فردريك في المستقبل مع ذلك، وما كان من الوضع الذي اتخذه في غرفة الخدم تلك بقصر بوتسدام ثم في تلك الغرفة من فندق ليبسيكرستراس، فيحتمل أن يكون قد قرر سيره في الحياة وقرر مصير ألمانية مع ذلك.
ويرفض خلع الملك فردريك ولهلم، ويوجه الآن همه إلى جعل هذا الملك مغلوبا على أمره، ويطلب في ذلك اليوم إلى الأمير فردريك شارل أن يأمر الكتائب بالزحف إلى برلين على الرغم من أوامر الملك «ما دام صاحب الجلالة غير حر في السير»، ويحبط ما سعى إليه بسمارك حتى لدى القائد الذي دعاه إلى التمرد توا،
2
Неизвестная страница