ولكنه يتذرع بمرح أبوي خالص، فيطلع الحبيبة على العالم في سفر شهر العسل الطويل، ويكتب إلى أخته ما لا يصدق صدوره عن كاتب في السنة الثانية والثلاثين من عمره، فيقول: «وأما من ناحيتي فأذكر أنني بلغت من الكبر ما لا يستهويني معه جديد المناظر، وإن كنت قد تذوقت انطباعات حنة.» وأحزم من ذلك قوله في كتاب إلى أخيه: «وأخيرا يأتي المؤلم، فقد أضافت حنة إلى الليرات الذهبية المائة التي لدي نحو مائتي تالير كانت أخذتهما لابتياع أوان فضية، ولا ضير في هذا ما دامت الشماعد
8
المعدنية المصفحة تكفي هنا، وما دام شرب الشاي في ودود أمرا جميلا، وما دام عندنا الشيء الكثير من هدايا العرس، وتبلغ نفقات رحلتنا نحو 750 تاليرا، وتدوم هذه الرحلة 57 يوما فيكون ما ننفقه كل يوم 13 تاليرا، وأدعى إلى المقت من ذلك ما كان من موت ست بقرات وثور لي، أي أحسن ما في أنعامي، بداء الجمرة.»
ويا للألفة التي آل إليها بسمارك المغامر! والحق أن بسمارك إذا ما ساح وحده أو مع زوجه، وجب أن يتم له كل شيء على ما يرام، غير ناظر إلى ما يقتضيه ذلك من نفقات، والآن إذ يعرب بسمارك وهو راجع من شهر عسله أن يقسم المجموع إلى سبعة وخمسين، وأن يختم تقريره الأول بقصة ثوره وبقراته الست، نبصر وضعه نفسه في آفاق ضيقة مع تفتح آفاق واسعة له.
الفصل الحادي عشر
يزور بسمارك في 19 من مارس سنة 1848 جارا له، ومن المحتمل أن بحث مع صاحبه في أمور السياسة؛ فالدور كان دور فتن واضطرابات، وتأتي عربة على غير وعد، وتنزل منها سيدات، ويخبرن بسمارك وأصحابه الحائرين، هائجات بفرارهن من برلين، حيث اشتعلت الثورة وأصبح الملك سجين الشعب، وكان بسمارك يقضي شتاءه مع زوجه الفتاة بشونهاوزن منذ عطلة اللندتاغ، وكانت الأشهر الستة تلك هي الأولى والأخيرة هدوءا في حياته الزوجية، ويساور القلق بسمارك منذ خمسة عشر يوما كبقية الناس، وعلة ذلك ما كان من ثورة أهل باريس وطردهم الملك وإعلانهم الجمهورية مرة أخرى، وقد أسفر ذلك عن تقوية مثل تلك الأماني في ألمانية، فأدى ذلك إلى تسريح الوزراء الرجعيين واستبدال وزراء من الأحرار بهم، وفي 18 من مارس يتجمع أهل برلين في الشوارع ويتصادمون هم والجنود إلى أن يأمر الملك - بلا ضرورة وعن جبن، لا عن حنان - برجوع الكتائب، ويهرع بسمارك إلى شونهاوزن عند سماعه تلك الأنباء.
بسمارك في سنة 1834.
وفي ذلك الحين يرى بسمارك أن حياته مهددة، ومن ذا الذي تبحث عنه تلك الجموع الهائجة فتقتله على ما يحتمل إن لم يكن من زعماء الرجعية؟ إن من الطبيعي أن تتجه أفكاره إلى تراثه، وإن من الطبيعي أن ينشد الوقاية زوجا وأبا لولد منتظر، ويمس زهوه ويحث بأسه، فيرى ضرب الحمر، وهكذا تحفزه الطبيعة والمنفعة إلى استعمال العنف فيتخذ وسائل قاسية من فوره، وفي الصباح التالي يأتي مفوضون من المدينة إلى شونهاوزن ليحملوا الفلاحين إلى رفع العلم الأسود الأحمر الذهبي، ويدعوهم متبوعهم إلى المقاومة وطرد الحضريين، «فتم هذا بمساعدة النساء الفعلية»، ثم ينصب راية سوداء ذات صليب أبيض فوق برج الكنيسة، ويجمع سلاحا، ويجد عنده عشرين بندقية صيد، ويجد في القرية خمسين بندقية صيد أخرى، ويرسل إلى المدينة رجالا راكبين خيلا للبحث عن بارود.
ويضع زوجته الجسور في عربة ويطوف معها في القرى المجاورة، ويجد معظم الناس مستعدين للزحف معه إلى برلين إنقاذا للملك الذي يقال إنه سجين، ويهدد جاره الذي هو من الأحرار بمعاكسته، فاسمع ما رواه بسمارك نفسه: - «إذا ما فعلت ذلك قتلتك بإطلاق النار عليك.» - «لن تفعل ذلك!» - «أقسم لك بشرفي أنني أصنع ذلك، وأنت تعلم أنني أنفذ قولي، فلا تصر على ما أنت عليه!»
ويغدو بسمارك رجل سياسة بعد تلك البداءة الجريئة، فيذهب وحده إلى العاصمة، ويزور بوتسدام في طريقه، ويعلم من أصحابه القواد ماذا حدث في الحقيقة، ويطلبون منه مقدارا من البطاطا والحبوب لإطعام جنودهم، لا فلاحين لعدم فائدتهم، ويعربون له عن غيظهم لمنع الملك إياهم من الاستيلاء على برلين، ويعرض بسمارك آنئذ عن الملك لقنوطه منه، ويود أن يعمل برأيه الخاص، ويحاول أن ينال أمرا بالسير من الأمير ولهلم البروسي، ويصرف إلى الأميرة.
Неизвестная страница