وقال بدهشة: حسين!
وسرعان ما لاحظ تغير لونه. كان الشاب غاضبا مكفهر الوجه، وكان يبذل غاية جهده ليضبط أعصابه، ويتمالك نفسه. وتساءل حسنين عما جاء به إلى السطح، ورجح أن يكون - حين صعد لإعطاء درسه - لمحه وهو يرتقي السلم محاذرا إلى السطح فشك في الأمر وتبعه! هذا هو التفسير المعقول. بيد أن التواري وراء الجدران لاستراق النظر والسمع ليس من شيمه! ولم يدر له بخلد أن يسأله عما جعله يقف هذا الموقف، وعلى العكس من هذا تولاه الحياء والارتباك، ولم يكن الآخر - على تغيره - بأقل منه حياء وارتباكا. لعله أراد أن يداري حياءه وارتباكه بالتمادي في الغضب فقال: رأيت أمورا ساءتني كثيرا. كيف تطارد الفتاة هذه المطاردة الوقحة؟! هذا سلوك شائن لا يليق بجار يحترم واجبات الجيرة!
ووجد حسنين في لهجة أخيه القاسية ما أنقذه من حيائه وارتباكه فقال عابسا: ما أتيت منكرا! ولعلك سمعت ما قلت!
فأغضى حسين عن ملاحظته الأخيرة، وقال بحدة أشد: وهل من منكر وراء اعتراضك لسبيلها على هذا النحو غير اللائق؟! - لا أحسبها تعده كذلك!
فقال حسين: ستخبر أباها. - لن تخبره!
فتناهى الحنق بحسين وقال بحدة: لشد ما خفت أن تتهجم عليها، ولو فعلت لأدبتك تأديبا قاسيا!
ودهش حسنين لهذا الوعيد المتأخر، فكاد يطيح الغضب برأسه، ووثبت كلمات شديدة إلى طرف لسانه ولكنه نجح بأعجوبة في القبض عليها، وصمت مليا حتى ذهبت عنه وقدة الغضب ثم قال: ما كان لك أن تخاف حدوث شيء كهذا.
فتفكر حسين قليلا ثم قال متراجعا: يسرني على أية حال أن أسمع هذا القول. وإذا حق لي أن أنصحك فنصيحتي إليك أن تلزم دائما جادة الشرف.
فقال الآخر ببرود: لست في حاجة إلى مثل هذه النصيحة.
وغادر موقفه فتبعه حسين، ونزلا معا دون أن ينبس أحدهما بكلمة. ولم يذهب حسين إلى شقة فريد أفندي، ولاحظ حسنين هذا دون تعليق. أما الأم فقالت لحسين متسائلة: ما الذي عاد بك سريعا؟
Неизвестная страница