وأشار إليه الآخر أن يسكت فسكت، ثم قال باستهانة: سأكون معك صريحا إلى أبعد حد، وإذا كنت تسائل نفسك حقا عن عملي فإني أقول لك إني فتوة قهوة بدرب طياب، (ثم مشيرا إلى الصورة فوق رأسه) وعشيق هذه المرأة، وبائع مخدرات.
وهتف حسنين في انزعاج: لا أصدق هذا!
فقال الرجل مبتسما في هدوء: بل تصدقه كل التصديق، ولعلك خمنته فيما مضى، وها قد صح تخمينك، فماذا ترى؟!
فرنا الشاب إليه صامتا في إشفاق وألم، حتى ضاق بصمته فقال محزونا: ليس أحب إلي من أن تبدأ حياة جديدة شريفة!
فضحك حسن عاليا ثم قال بسخرية: بفضل حياتي غير الشريفة أمكنني أن أدفع عن أسرتنا غائلة الجوع، وأن أزود أخاك حسين بما كان في حاجة إليه؛ كي يباشر عمله الحكومي، وأن أهيئ لك قسط المصروفات الذي جعلك ضابطا والحمد لله.
ووخزه كلامه بمثل شك الإبر، فتراءت له الحياة ضيقة خانقة، ولكن رغبته الحارة في الدفاع عن نفسه أبت عليه أن يسلم بالهزيمة فقال: كان هذا بفضل نبلك، ولا فضل لهذه الحياة الخطيرة في ذاتها ! - لا تغالط نفسك؛ إنهم يدعونني بالروسي لا بالنبيل، ثم ما هي الحياة غير الشريفة؟ ليس ثمة إلا حياة فحسب، وكلنا يسعى للرزق. - توجد حياة آمنة، وحياة يفزعها مجرد توهم البوليس. - هذا من عسف البوليس، ولا ذنب لنا، بالله خبرني ماذا تريد علي أن أعمل؟
فقال حسنين بحماس وقد لاحت له بارقة أمل: اهجر هذه الحياة، واختر لنفسك عملا شريفا، كسابق عهدك.
وانفجر الرجل ضاحكا وتساءل في دهشة: صبي ميكانيكي؟! هذا كمن يطلب إليك أن تستقيل من الجيش لتبدأ من جديد بالتوفيقية!
وغلا حنق الشاب في أعماقه مرة أخرى، ولكنه تساءل في هدوء وابتسام: ألا تدري ما النهاية المحتومة لحياتك؟
فقال متهكما في بساطة: أن أسجن أو أقتل! .. وإذا قدر علي أن أقتل أولا نجوت في طبيعة الحال من السجن!
Неизвестная страница