وفغر حسنين فاه دهشة فقال الآخر بجفاء: حسنين، إياك والتظاهر بالدهشة؛ لست غبيا ولست غبيا، فيحسن بك أن تحدثني بالصراحة التي تعودت أن تحدثني بها دائما. ما وجه الغرابة في أن أكون شريرا؟ ألم أكن طوال عمري هكذا؟!
وخفض الشاب عينيه في وجوم وخجل، وتشتت منطقه فانعقد لسانه، وارتاح الآخر لارتباكه، فعاوده مرحه وأراد أن ينهي هذا الحديث المؤلم فقال: لا عليك من هذا، ولعن الله الرجل الرعديد؛ فلولا فزعه الصبياني ما جرى الحديث بيننا هذا المجرى السخيف، ولنعد الآن إلى الأهم، (ثم ضاحكا) لا شك أنك جئتني لحديث آخر!
فجمع الشاب ما تشتت من أفكاره وقال متنهدا: الحقيقة أنني ما جئت إلا لهذا الأمر!
فلاح الاستنكار في وجه حسن وقال متهكما: حسبتك جئت تطلب نقودا!
وشعر الشاب بغضب أخيه، ولكن لم ينثن عن عزمته، فقال بلهجة رقيقة متوددا إليه: بفضلك السابق لم أعد في حاجة إلى نقود، ولكن مهمتي الآن أجل من النقود، إني أريد أن أطمئن عليك ...
فحدجه بنظرة ثاقبة وقال بسخرية: لا زلت أطالبك بالمزيد من الصراحة! .. إنك يا حضرة الضابط تريد أن تطمئن على نفسك لا علي أنا!
فقال حسنين وهو يشعر بقهر وغيظ: هما شيء واحد. - حقا؟! لا أرى رأيك، أو دعني أسألك لماذا لم توجه إلي هذه النصيحة من قبل؟ .. منذ عام مثلا؟
لا يسعه - بعد أن قال له وهو لا يدري أنه إنما جاء لهذا الأمر - أن يدعي أنه كان يجهله، وركبه الضيق، ولكنه تهرب من سؤال أخيه قائلا: ألا ترى وجه الخير لك فيما أريد؟
فتجاهل حسن سؤال وقال بنفس اللهجة الساخرة: كنت قبل عام في حاجة جنونية إلى النقود، فلم تهتم بالنصح والإرشاد، أما الآن وقد أصحبت ضابطا فلا يهمك إلا الدفاع عن هذه النجمة اللامعة!
ومع أن وجه حسنين لم يتغير إلا أن قلبه ماج بالغيظ والحنق، وكأنما أهاجه أن يقرأ الآخر أعماقه بهذه السهولة الساخرة، ولكنه قال بلهجة لينة: أخي ...
Неизвестная страница