وعاش هذا المجتمع ثلاثين سنة بقوة زعيمه نويس الذي قاده إلى هذا النظام، ولكن لما أحس نويس أنه يقترب من الموت خشي الفوضى على مجتمعه، فعاد به قبل موته، إلى النظام الانفرادي في الممتلكات والزواج.
والعبرة التي يستخلصها برنارد شو من مجتمع أونيدا هذا أنه يمكن الرجل العبقري أن ينكر الأخلاق العرفية بغية الوصول إلى هدف أعلى مما تتيحه المجتمعات المتمدنة، ولكن لما كان الناس في مجموعهم دون المستوى الذي يبلغه العبقري فإنهم عندما يفقدون القيادة العالية التي توجههم يعودون إلى حضيضهم السابق.
وبرنارد شو يعرض لمجتمع أونيدا باعتبار أنه فكرة وليس نظاما، كما سبق له أن عرض لابنتي لوط اللتين حملتاه، وهو سكران، على الاتصال الجنسي بهما كي تحافظا على النسل، وهو يذكر حادث لوط ومجتمع أونيدا كي يدلل على أن الأخلاق العرفية في الزواج والامتلاك، ليست هي الأخلاق المثلى والتي يجب أن نتجمد بها كأنها خالدة.
والتغيير ليس ممكنا فقط بل هو واجب، وإنما يقع هذا الواجب على عاتق الزعيم العبقري وحده الذي يحدد المجتمعات، وليس هذا من حق العامة أو الجمهور؛ أي إنه ليس من حق الأفراد العاديين.
4
ويمدح برنارد شو مجتمع أونيدا، ويقول إنه في المدة التي عاش فيها نويس وهو يتزعم هذا المجتمع عمت السعادة جميع أفراده، وزاد إنتاجهم، وارتفعت معاملتهم للأطفال، وقلت الوفيات إلى أقل عدد.
ولكنه يعترف بأن أفراد الجماهير تنشد السبرمان، أي الإنسان الأعلى في الخيال، فتصف أبطال تاريخها كما لو كان كل منهم الإسكندر، وتضفي صفات القداسة على الأفذاذ من رجال الدين، لكن هؤلاء الأفراد يرفضون التدخل من أحد في عاداتهم المألوفة في الزواج، بحسبان أن هذا التدخل سيحرمهم مسرات الزوجية أو ينقصها، وهم يهبون في وجوه دعاة التغيير ويصفونهم بأنهم فاسدون مفسدون قد انحلت أخلاقهم، ولكن إذا وثقوا بأن الزواج ممكن، وأنه سيدوم ويتوافر، وأن كل ما سيؤدي إليه التغيير هو قصر التناسل على الممتازين من الشعب، إذا وثقوا من ذلك فإنهم يقبلون التغييرات التي يقتضيها النظام الاجتماعي الذي سوف يهيأ كي يرتقي الشعب، وترتقي البشرية، بتقييد حق التناسل على الرجل الممتاز والمرأة الممتازة ويحرم غير الممتازين التناسل، ولكنهم لا يحرمون الزواج.
وهنا يقول برنارد شو: إن أعظم المخترعات في القرن التاسع عشر هو الأدوات التي تستعمل لمنع التناسل؛ لأن هذا المنع سيغير البشرية في صلب الإنسان، أي يغير جسمه وعقله، أما سائر المخترعات فليس لها هذا الأثر إذ هي تغير وسطنا المتمدن ولكنها لا تغيرنا في تركيب أجسامنا.
وبكلمة أخرى يقول إن التناسل يجري في أيامنا جزافا، ولكن طريقنا إلى السبرمان يقتضي أن نجريه بالتدبير والتنظيم.
5
Неизвестная страница