ويقول هنا برنارد شو:
إذا كنا سنعلم الصبيان أشياء تتجاوز مجرد القراءة والكتابة فيجب علينا أن نعلمهم علم الفلك العصري منذ كوبير نيكوس، وكذلك الفيزياء الإليكترونية ونظرية التطور، وليس من الحكمة أن نقود الصبي في الساعة العاشرة في الصباح إلى حصة ما كي يقول له القسيس إن الأرض مسطحة وثابتة لا تتحرك، وإن السماء سقف فوقها حيث توجد جنة مؤثثة كما لو كانت قصرا ملوكيا. ثم في الساعة الحادية عشرة نقوده إلى حصة أخرى حيث يقول معلم الفيزياء إن الأرض كرة تدور حول نفسها على محورها، وإنها تدور حول الشمس في فضاء لا نهاية له، وإن هناك ألوفا من الأجسام مثل الأرض تفعل مثل ذلك، وليس من العقل كذلك أن نلقن الصبيان في حصة الدين أن جميع الأحياء بأشكالها المختلفة قد خلقت في ستة أيام، وأن من هذه الأحياء امرأة كاملة صيغت من ضلع، فإذا دقت الساعة لحصة أخرى تناولنا الصبيان بالشرح لملايين السنين التي انقضت في تجارب لإيجاد أشكال عديدة من الأحياء من العمالقة الضخمة إلى أحياء صغيرة لا تراها العين، وهي تجارب انتهت إلى شكل مركب لا نستطيع بأية حال أن نقول إنه حسن، هو المرأة.
وفي هذه الكلمات التي نقلناها من كتاب «مرشد المرأة إلى الاشتراكية والرأسمالية» يحاول برنارد شو أن يبين التناقض بين الثقافة القديمة التي لا تزال حية في المدارس إلى جنب الثقافة الجديدة التي تصطدم بها، وما يعقبه هذا الاصطدام من بلبلة في عقول الصبيان والشباب تحول دون الفهم الصحيح.
ويزيد برنارد شو في الشرح فيقول:
إننا نعلم الجهل في المدارس، ونجعل منها مستودعات لقاذورات للقرون الماضية وللخرافات الهمجية، بل إننا نعاقب من يدعو إلى إلغائها.
ومع أن كلماته هنا قاسية، بل أحيانا فظة، فإنها لا تستغرب منه؛ إذ هو رجل جديد يدعو إلى دنيا جديدة ويحاول أن يحقق هذه الدنيا بالتعليم، وهو يخلص من هذا إلى أن الرجل المثقف في عصرنا إنما يصل إلى هدفه ومجهوده الشخصي وليس بالتعليم الجامعي، وهو بالطبع لا ينكر قيمة الجامعات والمعاهد في التعليم الفني الذي يحتاج إلى المعامل والتجارب، ولكن هنا تعليم للتخصص وليس ثقافة عامة تجعل المثقف حكيما مفكرا في الحياة يستوعب المعارف ثم ينظمها في ذهنه ويقارنها ويستنتج منها فهما للكون والإنسان وحكمة للعيش.
أين الدين في التربية؟
يجيب برنارد شو على هذا السؤال بأن رجلا بلا دين هو رجل بلا شرف.
والذي يجب ألا ننساه أن الثقافة مكفولة لكل من يطلبها في أوربا بحيث يمكن الذين حرموا الجامعة أن يجدوا في مئات وألوف الكتب ما يربيهم ويساعدهم على تعيين القصد في الحياة، فهل الحال كذلك عندنا؟
أعتقد أن الثقافة الصحيحة ليست مكفولة بالمؤلفات في مصر أو في أي قطر عربي آخر، ولكن بعضها مكفولة، ومشروع «ألف كتاب» الذي تقوم به وزارة التربية في الوقت الحاضر بغية نقل الكتب النافعة إلى لغتنا هو خطوة، بل وثبة نحو الأمام نحو إيجاد ثقافة عصرية يستطيع عامة القراء أن يجدوا عن سبيلها التربية التي ينشدونها.
Неизвестная страница