فلما عاد إلى مصر داخله الكبر وظن أنه لو اغتصب الولاية من محمد علي | باشا ربما يروق ذلك في أعين ولاة الأمر في إسلامبول فأخذ في جمع الجند حول | داره وإجزال العطايا للكشاف ورؤساء الجند من أرنؤد ودلاة ، فلما رأى | الكيخيا ذلك دخله الخوف وخاف سوء المنقلب وأراد أن يخلص بلاده من شره | قبل تفاقم أمره فجمع ديوانا بالقلعة وأرسل إليه يستدعيه فأبى الحضور لعلمه | بالمكيدة ثم أرسل إليه الكيخيا يطلب منه إما الإطاعة أو الخروج من القاهرة | فقبل الخروج ، لكن وجد الجند من الأرنؤد متربصين له في الطرق الموصلة إلى | داره فناوشهم واستمر إطلاق البنادق بين الطرفين إلى نصف الليل بل وبعده ، | ولما رأى لطيف باشا أن العسكر أحدقت بمنزله وهددته بالدخول فيه والقبض | عليه اختفى في مخبأه مع ست من الجواري التركيات ومملوك مخلص له ولم يعلم | بمحله إلا أحد خصيانه وبعد قليل دخل الجند داره وفتشوها ولما لم يقفوا له على | أثر نهبوها وسبوا نساءه وسراريه وبحثوا عنه أيضا في الدور المجاورة لها ثم اكتفوا | بحفظ الطرقات وفي مساء ذلك اليوم خرج لطيف باشا من المخبأة وتسلق | الأسطحة حتى وصل إلى دار خزنداره واختفى هناك ، ففي اليوم التالي أخبر | الخصي بالمخبأة التي بالبيت ففتحوها ولم يجدوا بها إلى الجواري والمملوك فأخذوا | يقررونهم عنه وأين ذهب ولكن لم يجد ذلك شيئا ثم خطر ببال لطيف باشا أن | يذهب من بيت خزنداره إلى أحد البيوت المجاورة له من السطح ليهرب وينجو | بنفسه إلا أنه لسوء حظه ودنو أجله رآه أحد الجند المعينيين فوق الأسطحة لمنعه | من الهرب ، فلما رآه أسرع بالصياح على إخوانه وعند ذلك أطلق فيه لطيف | باشا رصاصه قتلته فاجتمع الجند واحتاطوا به وقبضوا عليه وسجنوه في بيت | محمود بيك الدويدار ، حتى إذا أصبح اليوم التالي عقدوا ديوانا للحكم عليه | بالقلعة حضره أكابر الحكومة وأعيانها وحكموا عليه بالقتل ثم أرسلوا من | يستحضره فجاء مع محمود بيك الدويدار إلى القلعة وهناك قبض عليه وضرب | | عنقه وعلقت رأسه على باب زويله طول نهاره وكان ذلك في يوم الثلاثاء 21 | من ذي الحجةسنة 1288 ( 8 نوفمبر سنة 1813 ) أما لطيف باشا المذكور | فكان جرجي الأصل ومملوكا لعارف بيك ابن خليل باشا الذي كان قاضيا | بمصر ، أهداه إلى العزيز فاختاره لما تفرس فيه النجابة وقربه إليه ورقاه إلى رتبة | انختر أغاسي أي صاحب المفتاح وصار له حرمة زائدة وكلمة عند الباشا . |
عصيان الجند بالقاهرة
وأما ما حصل بمصر غير تلك الحادثة من الأمور المهمة فهو عصيان الجند | وتمردهم على العزيز بعد عودته من الأقطار الحجازية وذلك أنه لما عاد إلى مصر | في يونيو سنة 1815 شرع في ترتيب عسكره على النظام الأوربي لتزداد بذلك | قوتهم لكن لم يوافقه على ذلك قواد جنوده فقضى مدة في إقناعهم بدون ثمرة | ولما رأى منهم عدم موافقته على مشروعه عزم على تنفيذه رغم أنفهم ، وابتدأ | بالفعل في تمرين الفرقة التي هي تحت قيادة ولده إسماعيل بيك في يوم 12 | أغسطس سنة 1815 ، وأعلن بأن كل من لم يقبل هذا النظام الجديد سواء كان | من الأنفار أو من البيكوات يجرد ويطرد من مصر فتحزب الجند واتفقوا مع | قوادهم على الغدر بالباشا .
Страница 68