ولما علم محمد علي باشا بهذا الإنكسار الذي لم يخطر له على بال أرسل المدد | إلى ولده طوسون باشا ومقدارا عظيما من المؤن والذخائر لتعويض ما فقد منه في | واقعة بدر وأمر بعزل ونفى أغلب رؤساء العسكر الذين هربوا وقد تحصن | طوسون باشا بعد ذلك في مدينة ينبع وبادر بترتيب عساكره وفي هذه المرة لم | يهمل في إجراء الطرق اللازمة لجذب قلوب ومودة القبائل التي كانت غير | راضية بأحكام الوهابيين ، وبعد أن تحقق من مصافاة موالاة القبائل القاطنة بين | ينبع والمدينة ومن انتظام جيشه خرج قاصدا المدينة المنورة فوصلها بدون أن | يصادف أدنى معارضة في الطريق وابتدأ الحصار لكنه لم يرغب في استعمال | المدافع لإجراء فتحة في سور المدينة لدخول الجند خوفا من أن تصيب بعض | | مقذوفاتها حيطان الحرم النبوي ، فاستعمل اللغم حتى إذا جهزه أرسل لسكان | المدينة بأن كل من لم يكن وهابيا فليتزى بزى مغاير لزى هذه الطائفة وبعد ذلك | أطلق اللغم فهدم جزأ عظيما من السور يمكن الجيش الدخول منه ، فأمر طوسون | باشا إذ ذاك بمهاجمة المدينة المنورة ودخولها عنوة فهاجمتها الجيوش المصرية ودخلتها لكن | بعد عناء كثير واستخلصت المدينة المنورة من يد هذه الفئة العاتية الخارجة عن | طاعة أمير المؤمنين .
ثم أخذ طوسون باشا بعسكره في تحصين خط الرجعة إلى مدينة ينبع التي هي | قاعدة أعماله وبعد ما تم هذا العمل سافر إلى فرضة جدة حيث كان الشريف | غالب مقيما ففتحت له أبوابها بغاية السهولة والسرور والإنشراح ومن هناك | سار السر عسكر بجيشه نحو مدينة مكة لإستخلاصها من أيدي الوهابيين | فوصلها ودخلها بدون قتال لقيام الأهالي على الفرقة المحافظة وطردها إياها | حينما علموا بقدوم الجيوش المصرية . فحينئذ كتب السر عسكر المصري لوالده | أن طريق حج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي عليه السلام صار آمنا وسهلا | للقاصدين ووصل هذا الخبر أولا إلى مصر ثم إلى إسلامبول في شهر ذي القعدة | سنة 1227 ، ثم أراد طوسون باشا أن يحتل مدينة الطائف لأهميتها بالنظر | لمكة المشرفة ، ولهذا السبب كان قد حصنها سعود زعيم الوهابيين وأودع فيها | السلاح وجعل فيها مخازن ممتلئة من الذخائر ووضع فيها ما ينيف على ألف | شخص من أجود جنوده وأشدهم بأسا وأكثرهم دربة وعلما بفنون الحرب .
Страница 57