يتخطى ذلك في الاستشهاد إلى شعر المحدثين، ثم عرف الجزالة في الشعر، وتكلم على اتساق النظم ومحترزاته، وأخيرًا نجده يقسم الشعر خمسة أقسام، ويتحدث عن كل قسم ويحدده ويوضحه ويذكر شواهد كثيرة له، وبذلك ينتهي الكتاب.
والكتاب أول أثر علمي لعالم من علماء القرن الثالث يتحدث فيه مؤلفه عن الشعر بهذا اللون من الدقة والتحديد والوضوح والفَهْم للشعر والأدب والتذوق لهما والوقوف على آثار بلاغتهما.
و"البديع لابن المعتز" "م٢٩٦هـ" لا يشارك "قواعد الشعر" في هذا؛ لأن ابن المعتز ألف "البديع" ليتحدث فيه عن ألوان البديع العامة كما كان يعرفها هو ويعرفها عصره، لا ليتحدث عن الشعر بمثل هذا الحديث الفني. و"الرسالة العذارء" لابن المدبر "م٢٧٩هـ" لا تشارك "قواعد الشعر" في ذلك أيضًا؛ لأنها إلى البلاغة أقرب منها إلى الحديث عن الشعر. و"الكامل" للمبرد "م٢٨٥هـ" ليس فيه أثر للتخصص في دراسة الشعر أو البديع أو البلاغة بوجه عام. و"البيان" للجاحظ وما فيه من دراسات عن الشعر أو النقد أو البيان هي عامة لا تخصص فيها، والكتاب لم يؤلف لها، وأحكامه الأدبية والبيانية أحكام مقاربة ليس فيها مثل هذا الوضوح ولا مثل تلك الدقة.
وأما أثر قواعد الشعر في البيان فهو -ولا شك- أثر كبير، فنحن نجد أنفسنا لأول مرة أمام يؤلف ويكتب ويتحدث عن كثير من ألوان البديع والبيان: كالتشبيه، والاستعارة، ولطافة المعنى، أو التعريض والكناية كما نقول نحن، وكالإفراط في المعنى "المبالغة"، وحسن الخروج، ومجاورة الأضداد "الطباق"، والمطابق "لون من ألوان الجناس"، والثلاثة الأنواع الأولى هي أصل علم البيان، وباقي الأنواع هي أبرز ما في البديع من فنون، وابن المعتز -من غير شك- مدين لأستاذه ثعلب في هذه الدراسة، فنحن نكاد نجزم بأن ثعلبًا ألف هذا الكتاب قبل أن يؤلف ابن المعتز كتابه "البديع" عام ٢٧٤هـ؛ لأن ثعلبًا عالم معمر، ولأنه لو كان ابن المعتز قد سبقه بالتأليف لما أمكن ثعلبًا أن يقف عند هذا الحد في عرض
1 / 66