وإني لأذكر أن بعض الفرنسويين كتب كتابا عن أيام الأسبوع في لندرا، فلما وصل إلى يوم الأحد ترك له صحيفة بيضاء، إشارة إلى أنه يوم هادئ قليل الصخب والاضطراب، وما أجدر من يكتب عن أخلاق الناس بأن يترك صحيفة بيضاء حين يصل إلى الكلام عن الصداقة والوفاء؛ إشارة إلى انقراضهما من الوجود. فيا أيها الكتاب والشعراء، لا تسرفوا في وصف خواطر القلوب، وخوالج الأفئدة؛ فإن في الناس من لا قلب له ولا فؤاد.
ويا أيها القراء، حذار أن تصدقوا كل ما يكتب أو يقال، وإلا حقت عليكم كلمة العذاب.
عاقبة اللجاجة
للمرأة - كما قال بعض الكتاب المحدثين - مخيلة خاصة، وعقل شاذ، يصدر الآراء مشوهة بطبيعته دون ترو أو تكلف، ولها آراء في الحياة وفي الخير والشر لا تدرك، ولها نوازع نفسية تجعل منها مخلوقة غريبة ذات نفس متحركة نزاعة إلى السفاسف واصطناع الحيل، وأظهر ما تكون هذه النوازع في اختيار الزوج؛ فإن النساء يكدن للرجال كيدا عظيما في إثقالهم بشروط الزواج، غير أن السيدات لا يسلمن من عاقبة اللجاجة، ولا يترك الله شوكة كبريائهن بلا تخضيد، فقد جاء في بعض الأنباء أن سيدة لها من العمر ثمانون، تزعم أنها لم توفق في كل حياتها إلى شاب تتوفر فيه الشروط الآتية: (1) أن لا يتجاوز الخامسة والعشرين. (2) أن لا يكثر من الجلوس قرب النافذة حيث تمر النساء والبنات. (3) أن يظل مرافقا لها آخذا بذراعها حيثما ذهبت ولو إلى الحمام. (4) أن يحضر إلى البيت ست مرات في اليوم. (5) أن يأكل معها في صحن واحد. (6) أن يعترف لها عند المساء بجميع غلطاته في النهار. (7) أن يكتب لها - في لائحة - أسماء جميع السيدات اللواتي يكلمهن على أن تقدم إليها كل ليلة عند الجلوس على المائدة. (8) أن يكون حليق الشاربين طويل اللحية. (9) أن يقبلها كل يوم خمس عشرة قبلة - على الأقل.
وقد قيل: إن هذه الآنسة «عدلت بعض هذه الشروط؟» ثم وفقت أخيرا إلى اختيار زوج عمره عشرون سنة، ولكنه أعمى، فلا خوف عليه من الجلوس أمام النوافذ! أما أمر مرافقتها فذلك واقع بطبيعة الحال؛ لأن زوجها في حاجة إلى من يقوده، أما اشتراط حضوره ست مرات إلى البيت فقد أسرف الزوج في تحقيقه؛ لأنه أعمى يلازم البيت، وكذلك يأكل معها في الصحن الذي تريده، وقد حرمه عماه من مقابلة السيدات والأوانس.
وهكذا تنال العدالة الإلهية من غطرسة النساء. ولو أن المرأة عنيت بتقويم نفسها قبل أن تعنى باختيار شريكها في الحياة، لشغلت «بنت الثمانين» عن شروطها التسعة، ولرزقها الله رجلا يفي بالعهد وهو طائع، ولكنها بغت واستطالت فكان ما نقلناه من حديث تلك العجوز الشمطاء.
إن الضعف وحده سلاح المرأة، فلا يحسب السيدات أن القوة تدنيهن من السعادة؛ لأن في عناد الرجل صرفا له عن المرأة العنيدة، وهو إن لم يمنحها غضبه، فلن يمنحها رضاه، فما هذه الجلبة؟ وما ذلك الصياح؟ وكيف تسمو المرأة إلى مشاركة الرجل في الحياة الاجتماعية وهي في حاجة إلى قلبه؟ ولن يمنح الرجل قلبه للمرأة إلا وهي مطواع ذلول، لقد كانت المرأة ضعيفة فما منع ذلك الرجل من أن يخضع لها وهو قوي، ولكنها إن قويت فسيعرف كيف يفل الحديد بالحديد.
التهمة بالهوى
عجبت لهم أنى رموني بحبها
ولا مهجتي رهن لديها ولا قلبي
Неизвестная страница