فلا الظّل من برد الضّحى نستطيعه ... ولا الفيء من برد العشي نذوق
فقد فصل بينهما قوله: وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِنًا
[سورة الفرقان، الآية: ٤٥] سئل عنه متى كان متحركا فقيل: معنى السكون ها هنا الدوام والثبات، ألا ترى أنك تقول للماء الساكن الواقف ماء دائم وراكد ويمكن أن يقال: إنّ السّاكن ها هنا من السّكنى لا من السكون أي لو شاء لجعله ثابتا لا يزول كما أنّ سكنى الرجل الدّار يكون إذا قام وثبت.
وقوله: ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا
[سورة الفرقان، الآية: ٤٥] يراد به أنّه لولا الشّمس لما عرف الظل، فالله تعالى يقبضه ويبسطه في اللّيل والنّهار، وعلى هذا يكون الدّليل بمعنى.
الدّال.
وقال بعضهم المعنى دللنا الشّمس على الظّل حتى ذهبت به ونسخته أي أتبعناها إياه قال: ويدلّك على ذلك قوله: ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضًا يَسِيرًا
[سورة الفرقان، الآية: ٤٦] أي شيئا بعد شيء فعلى طريقته يكون دليلا فعيلا في معنى مفعول لا في معنى الدّال، وروي عن الحسن أنه كان يقول: يا بن آدم أما ظلّك فسجد لله، وأما أنت فتكفر بالله.
وقال بعضهم: وقد أحسن ما قال: الظلّ من آيات الله العظام الدّالة بإلزامه الإنسان منه ما لا يستطيع انفكاكا عنه، فدلّ بذلك على لزوم القمر له ولسائر الخلق قال الله تعالى:
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ
[سورة النحل، الآية: ٤٨] فظلال الأشياء تمتد عند طلوع الشّمس من المشرق طولا ثم على حسب ارتفاع الشّمس في كبد السّماء تقصر حتى ترجع إلى القليل الذي لا تكاد تحس، وحتى يصير عند انتصاف النّهار في بعض الزّمان بمنزلة النّعل للابسها، ثم يزيد في المغرب شيئا شيئا حتى تطول طولا مفرطا، قبيل غروب الشّمس وإلى غروبها. ثم يدوم اللّيل كلّه، ثم يعود في النّهار إلى حاله الأولى، فالشّمس دليل عليه لولا الشّمس ما عرف الظّل، فالله بقدرته القاهرة يقبضه ويبسطه في اللّيل والنّهار. وإنّما قال: قَبْضًا يَسِيرًا
لأنّ الظّل بعد غروب الشّمس لا يذهب كلّه دفعة واحدة، ولا يقبل الظلام كلّه جملة واحدة، وإنّما يقبض الله تعالى ذلك الظّل قبضا خفيا وشيئا بعد شيء، ويعقب كل جزء منه بقبضه بجزء من سواد اللّيل حتى يذهب كلّه، فدلّ الله على لطفه في معاقبته بين الظّل والشّمس واللّيل، ومن كلامهم وردته والظّل عقال وطباق وحذاء. وقال:
ولو احقت أخفافها طبقا ... والظّلّ لم يفضل ولم يكر
أي لم ينقص، ويقولون: لم يزل الظّل طاردا أو مطرودا، ومحولا، وناسخا، ومنسوخا، وسارقا، ومسروقا، وكلّ الذي ذكرت عند التّحصيل بيان وتفصيل لما أجمل فيما قدّمته، وسيجيء من صفات الظّل وأسمائه في بابه ما تزداد به أنسا بما ذكرناه.
1 / 28