وهو في هذا الموضع الانتباه من النوم والاضطراب من الدّعة، وكما سمّى الله تعالى نوم الإنسان وفاة بقوله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها
[سورة الزمر، الآية: ٤٢] كذلك وفّق بين إبقاء من الموت في التّسمية بالنّشور.
ومنه قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ
[سورة الفرقان، الآية: ٤٥] الآية قوله ألم تر لفظ استفهام وحقيقة البعث على النّظر والمعنى انظر حتى تتعجب إلى ما مدّه الله من الظّل وإنّما قلنا هذا لأنّ المد مدرك متبيّن وتبيّن كيفيته يبعد في الوهم فكيف في الإدراك فلا يعلمه إلا الله وهذا على عادتهم في التّفاهم بينهم يقولون: أرأيت كذا، والمراد أخبرني وأ رأيتك وأ لم ترك كذا وهل رأيت كذا، ولم تر إلى كذا، وأ لم تر كيف كذا؟ والفصل في أكثره أن تعق المخاطب على ما تجب منه من المدعو إليه، وقد استعمل هل رأيت معدولا به من حيث المعنى على ظاهره أيضا؟ وذلك كقول القائل: متى إذا جنّ الظلام، واختلط جاءوا بمذق؟ هل رأيت الذئب قط؟ ويسمّى مثل هذا التّصوير لأنّ المعنى جاؤوا بمذق أورق فصوّروا الورقة بلون الذئب، فأما قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ
[سورة البقرة، الآية: ٢٥٨] فمعناه أرأيت كالذي حاجّه بين ذلك ما عطف عليه من بعد لأنه تعالى قال: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ
[سورة البقرة، الآية: ٢٥٩] لأنّ المعنى على ذلك، والكلام جار على التعجب، ولفظة إلى تأتي إذا حملت أرأيت على النظر.
فأما قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ
[سورة الفيل، الآية: ١] فالمعنى ألم تعلم ولا يحتاج إلى ذكر إلى.
والمراد بالظّل عند بعضهم الذي يكون بعد طلوع الفجر في انبساط وقبل طلوع الشّمس وظهورها على الأرض، وقد قال أهل اللغة في الفرق بين الظّل والفيء إنّ الظّل يكون بالغداة والعشيّ، والفيء، لا يكون إلا بالعشي لأنه اسم للذي فاء من جانب إلى جانب. ومنه قولهم فيء المسلمين للغنائم والخراج الرّاجعة إليهم. وقد جاء ما يفيد فائدته في صفة الظّل في مواضع، منها أكلها دائم وظلّها. ومنها قوله: وظلّ ممدود، فجعل ما في الجنة ظلالا فيئا، وكان رؤبة يقول: الظل ما لم تنسخه الشّمس، وهو أول والفيء ما نسخته الشّمس، وهو آخر، وقالوا: الظل بالغداة والعشي، والفيء بالعشي، وقيل أيضا: الظل يكون ليلا ونهارا، والفيء لا يكون إلّا بالنّهار، وما نسخته الشمس ففيء وكان في أول النهار فلم تنسخه الشّمس، وقيل الظّل للّيل في كلام العرب قال:
وكم هجرت وما أطلقت عنها ... وكم ربحت وظلّ اللّيل دان
فجعل للّيل ظلا وقول الآخر وتفيئوا الفردوس ذات الظّلال، اتّساع أيضا لأنه جعل للأفياء ظلالا فأما قوله شعرا:
1 / 27